الاخبار العاجلة
العاصمة الأردنية الجديدة.. ضرورة أم ترف؟

العاصمة الأردنية الجديدة.. ضرورة أم ترف؟

د. حسين البناء

طرحت الحكومة فكرة إنشاء عاصمة إدارية جديدة في ولاية (د. هاني الملقي) عام 2017 بشكلٍ بدا جادًا وقتها، لكن تفاعلات الشأن المحلي وتطورات المحاور الإقليمية والدولية أحبطت إمكانية تطوير الفكرة وتسويقها وتمويلها.

لم تُلغَ فكرة العاصمة الجديدة؛ فها هي اليوم تُطرح بصورة رسمية وتم اقتراح الموقع بشكلٍ واضح بما يُخالف المرة الأولى التي اكتنفها بغض الغموض.

اليوم نشرت الحكومة صيغة عامة وإطار مبدأي لمشروع العاصمة الجديدة؛ فهي ستكون شرقًا ما بين مدينتي عمّان والزرقاء، وستغطي ما مساحته 277000 دونمًا، وبكلفة 8 بليون دينارًا، وعلى أرضٍ مملوكة للدولة بالكامل، تبتعد 40 كم عن وسط عمّان، و 33 كم عن المطار الحالي، و 26 كم عن مدينة الزرقاء، المرحلة الأولى تمتد 2025~2033 والمرحلة الثانية تمتد 2033~2050 على أن تستوعب مليون نسمة وقتئذٍ.

بكل موضوعية، فإن العاصمة بشكلها الحالي بات غير ملائم البتة للاستمرار فيه، فازدحام حركة النقل والسيارات، ومستوى الاكتضاص العمراني، ومستوى التلوث الصوتي والمادي، والبنى التحتية المتهالكة ... جميعها عوامل تبرر ذلك التوجه بنقل العاصمة لمكان جديد أكثر تنظيمًا وسعة، والدستور الأردني يسمح بذلك بقانون خاص.

قرار نقل العاصمة هو استراتيجي واقتصادي بامتياز، وسبقته له (جمهورية مصر) في بناء العاصمة الإدارية الجديدة.

أما السؤال البارز هو: في ظل العجز المالي، كيف ستنفق الحكومة على كلفة البنى التحتية و الإنشاءات الفوقية للعاصمة المستحدثة؟

الإجابة المتوقعة هي كالآتي: تقوم الحكومة ببيع جزء من الأراضي العامة للخزينة في موقع العاصمة الجديدة، ومن عقارات الدولة التي سوف تستغني عنها في العاصمة الحالية، وستقوم أيضًا بتحصيل عوائد مجزية من الرسوم والتراخيص لكل مبنى ومشروع ومتجر يتم تشغيله في الموقع الجديد، جميع هذه الإيرادات يتم توجيهها لتمويل تكلفة المشاريع الإنشائية للبنى التحتية والمرافق العامة ومباني الوزارات والهيئات المركزية العامة. هذا السيناريو واقعي جدًا، فمثلًا لو تم بيع الدونم الواحد بقيمة (100 ألف دينارٍ) فإن عشرة دونمات تكفي لإنشاء مبنى وزارة كامل بجميع تجهيزاته ومرافقه.

القطاع الخاص يُفترض أنه المعني بتنفيذ معظم المشروعات والأبنية والتجهيزات للعاصمة الجديدة، مما يعني بأن حركة تشغيل وانتعاش واسعة يتوقع أن تنشأ فور المباشرة بتنفيذ قرار النقل، وليس هنالك أكثر جاذبية للمستثمرين ورجال الأعمال من اقتناص فرصة العمل في قلب عاصمة حديثة تحمل من الفرص والمغريات الكثير.

قد يكون ذلك فرصة مثالية لتجنب أخطاء تخطيط المدن السابقة، وتأسيس بنية تحتية مستدامة وقابلة للاتساع والتمدد، والتأسيس لشبكة ذكية للاتصالات والمواصلات، ما من شأنه الانتقال لمرحلة حضرية عصرية تليق بهذا البلد العريق الذي لطالما كان أنموذجًا حضاريًا عبر التاريخ.

السؤال الأكثر جدلية في هذا الشأن هو: ما هي إمكانيات تعثر المشروع؟ وهل من الوارد التراجع عنه في لحظة ما؟

الإجابة عن الشقين ليست بتلك السهولة، فقرار الحكومة المدروس و الناضج و الذي يأخذ باعتباره جميع أبعاد الفكرة كفيل بإنجاح المشروع، لكن المستقبل يبقى في قائمة غير المؤكد خاصة في ظل منطقة مضطربة و صراعات إقليمية متفاقمة.

فكرة بناء ونقل العاصمة الأردنية (عمّان الجديدة) إذا ما خلت من معضلة الفساد و سوء الإدارة و ضعف التخطيط، فإنها فرصة طموحة و جادة و خلاقة لكي تحدث نشاطًا اقتصاديًا على مدار 25 سنة على أقل تقدير، ومن شأن ذلك الخروج من الاختناق الحضري القائم حاليًا.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).