ما عقوبة المدرس المدان بالتحرش؟

{title}
أخبار الأردن -

أخبار الأردن- خاص- أكد مختصون بالشأن القانوني أن التشريعات الأردنية لم تضع تعريفًا واضحًا للتحرش الجنسي، إلا أن قانون العقوبات الأردني جرّم عددًا من الأفعال والسلوكيات التي تدخل ضمن نطاق التحرش الجنسي، مشيرين إلى أن هناك عدة أشكال لهذا الجرم، والعقوبة تكون مغلظة بالنسبة للمدرس المدان.

مصطلح مفقود في القانون

قال القاضي المتقاعد، لؤي عبيدات، إن قانون العقوبات الأردني لم يضع وصفًا جرميًّا خاصًّا لمصطلح التحرش، وليس هناك جريمة في أيٍّ من القوانين المعمول بها في المملكة تُسمى بـ"جريمة التحرش الجنسي"، إنما كل جرائم الاعتداءات الجنسية تندرج تحتها ويمكن اعتبارها تحرشًا جنسيًّا.

وبين عبيدات في تصريحات سابقة لـ"أخبار الأردن"، أن التحرش هو أحد أشكال مضايقة الشخص الآخر والاعتداء على خصوصياته الجسدية والنيل من عوراته، وقد يحدث بطرق مختلفة؛ منها التحرش المادي الذي يقع بوسائل مادية فعلية؛ مثل التطاول ومد اليد على إحدى العورات أو منطقة من الجسد يحرص المرء على تغطيتها وسترها.

وأضاف، أن التحرش قد يكون نفسيًّا من خلال وضع المجني عليه أو الضحية بموقف يُشعرها بالتضييق عليها والرغبة بالنيل من حريتها الجنسية وعوراتها والاعتداء عليها، ومن الممكن أن يكون التحرش لفظيًّا، عن طريق استخدام عبارات تتخلّلها إيحاءات ودلالات نابية وغير لائقة، وقد يكون التحرش بصريًّا، من خلال نظرات العين.

وتابع، أن التحرش يمكن أن يقع من خلال الملاحقة والتتبع، دون المساس بالمجني عليه أو الضحية أو الحديث معها، وإنما تشعر بتقييد حريتها وعدم الراحة والأمان، وأن هذا الترصد يستهدف غايات غير نبيلة وغير شريفة، وأن الجاني يتقصّد بهذه الممارسات الاعتداء على خصوصيات الضحية وجسدها دون أن يفعل شيئًا ملموسًا وإنما بمجرد الملاحقة والتتبع.

وفي السياق ذاته، قالت مديرة مركز وعي للتدريب في حقوق الإنسان، المحامية تغريد الدغمي، إن التشريعات الأردنية لم تضع تعريفًا واضحًا للتحرش الجنسي، إلا أن قانون العقوبات جرّم عددًا من الأفعال والسلوكيات التي تدخل ضمن نطاق التحرش الجنسي، مبينةً أن التحرش يعتبر أحد أكثر صور العنف ضد المرأة انتشارًا؛ كونه يهين الكرامة الإنسانية وينتهك حقوق المرأة انتهاكًا صارخًا.

وأوضحت الدغمي في تصريحات سابقة لـ"أخبار الأردن"، أن أفعال التحرش الجنسي وسلوكياته متعددة؛ فهناك التحرش الجسدي، والتحرش اللفظي، والتحرش الإيمائي كالتحديق في الجسد، والتحرش الإلكتروني كتلقي مكالمات خلوية ورسائل غير لائقة أو صور فاضحة، وقد يصل التحرش إلى الاعتداء على العرض والاغتصاب.

يُشار إلى أن التحرش الجنسي هو "السلوك "غير المرغوب فيه" ذو الطابع الجنسي، إلا أن السلوك "غير المرغوب فيه" لا يعني بالضرورة السلوك "غير الطوعي"؛ لذا فإن السلوك "غير المرغوب فيه" هو كذلك طالما اعتبر الشخص الذي تعرض له أنه سلوك غير مرحب به"، وفقًا لـ"تضامن".

جرائم "تحرشية" في القانون

وبالعودة إلى عبيدات، فقد أشار إلى أن أبرز الجرائم الجنسية التي تنال من شرف الإنسان وعوراته والتي تندرج تحت مفهوم التحرش؛ هي جرائم الاغتصاب، مواقعة القاصرات، وعقوبتها تختلف حسب الحالة وعمر الفتاة، وقد تصل إلى الإعدام شنقًا حتى الموت إذا كانت المغتصَبة دون 15 عامًا والقاصر دون 12 عامًا.

وتابع، أن من تلك الجرائم هتك العرض، وهي جريمة ذات نطاق أوسع من الاغتصاب، وهي المساس بالعورات بحد ذاتها وما يعد عورةً في المجتمع ويخدش الحياء العرضي للمجني عليه، سواءً كان ذكرًا أو أنثى، وقد يحدث بالملامسة أو أكثر من ذلك، وقد يتم من فوق الملابس أو أسفلها، وتتدرّج عقوبة هتك العرض حسب الحالة وعمر الضحية، وقد تصل إلى وضع الجاني بالأشغال مدة 20 سنة.

وأضاف عبيدات، أن جنحة المداعبة المنافية للحياء تعتبر تحرشًا، وتُعرف بأنها المساس بأجزاء من جسد الإنسان من غير العورات؛ مثل مد اليد على وجه الفتاة أو رأسها أو رقبتها، والحد الأدنى لعقوبة هذه الجنحة السجن مدة سنة، وإذا كان الفاعل في كل تلك الجرائم من الأصول أو الفروع أو المحارم أو المسؤولين عن الضحية قانونًا أو من ربائبها أو الذين يتولّون رعايتها، يُضاف إلى العقوبة ثلثها.

من جانبها، أوضحت الدغمي، أن هناك عددًا من الجرائم التي نص عليها قانون العقوبات تدخل في إطار التحرش الجنسي؛ وهي المداعبة المنافية للحياء، ويعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وجريمة الفعل المنافي للحياء، ويعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر.

وأضافت، أن تلك العقوبة لكل مَن عرض فعلًا منافًيا للحياء أو وجّه أي عبارات أو قام بحركات غير أخلاقية على وجهٍ منافٍ للحياء بالقول أو الفعل أو الحركة أو الإشارة، تصريحًا أو تلميحًا بأي وسيلة كانت.

وتابعت الدغمي، أن عقوبة جريمة الفعل المنافي للحياء في المكان العام هو الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة مقدارها 200 دينار، وذلك لكل مَن فعل فعلًا منافيًا للحياء أو أبدى إشارةً منافية للحياء في مكان عام، أو في مجتمع عام، أو بصورة يمكن معها لمن كان في مكان عام أن يراه.

وأشارت إلى أن جرائم الاعتداء على العرض والاغتصاب تندرج ضمن أفعال التحرش، ويعاقب القانون كل من واقع أنثى (غير زوجة) بغير رضاها، سواءً بالإكراه أو التهديد أو الحيلة أو الخداع، بالأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن 15 سنة، ويعاقب كل من هتك عرض إنسان، بالعنف أو التهديد، بالأشغال مدة لا تقل عن 4 سنوات، كما تُشدَّد العقوبة بإضافة ثلثها إلى نصفها إذا وقع الفعل ممن له سلطة شرعية أو قانونية.

قصور تشريعي

ولفتت الدغمي إلى وجود قصور تشريعي في قانون العقوبات الأردني، فهو بحاجة إلى إضافة تعريف واضح وصريح لجريمة التحرش الجنسي، وتجريم كافة السلوكيات والأفعال التي تندرج ضمن وصف التحرش الجنسي، مشيرةً إلى عدم وجود حماية للمبلغين والشهود والخبراء، الأمر الذي يستوجب إجراء تعديل في التشريعات بما يحمي هذه الفئات، كما ينبغي النص في القانون صراحةً على جريمة التحرش الإلكتروني.

وقالت إن العديد من الجُناة قد يفلتون من العقاب بسبب صمت غالبية الفتيات اللواتي يتعرضن للتحرش خشيةً من الوصمة المجتمعية والفضيحة أو تحميل الفتاة مسؤولية التحرش، مؤكدةً أن التبليغ عن المتحرش حمايةٌ للفتاة والمجتمع، ورادع لعدم التكرار والإفلات من العقاب.

عقوبة المدرس المتحرش مغلّظة

وبين عبيدات، أن العقوبة لا تتضاعف إذا وقع التحرش بأحد أشكاله داخل الحرم الجامعي، لكنها تُغلّظ إذا كان الفاعل أستاذًا؛ لأن المدرس من الأشخاص المسؤولين عن الضحية قانونًا، سواءً كانت أنثى أو ذكرًا، كما أن المشرّع غلظ العقوبة على الأستاذ الجامعي الذي يعتدي جنسيًّا على إحدى تلميذاته أو أحد تلاميذه بإضافة ثلث العقوبة الأصلية.

وأضاف، أن الأستاذ من الأشخاص الذين افترض فيهم القانون مستوى معينًا من الأمانة والموثوقية، فضلًا عن مكانة هذا المدرس في ضمير العملية التعليمية والتربوية، وبالتالي فإن إقدامه على ارتكاب فعل التحرش يُعرضه لعقوبة مُغلظة.

من جهتها، لفتت الدغمي إلى أن العقوبة تُغلّظ في جريمة المداعبة المنافية للحياء وجريمة الفعل المنافي للحياء إذا وقع الفعل ممن لديه سلطة قانونية أو شرعية، وفي حال تكرار الفعل لا يجوز تبديل عقوبة الحبس المحكوم بها بالغرامة.

وحول عقوبة التحرش إذا وقع من أستاذ جامعي، أوضحت أن نظام الهيئة التدريسية في الجامعات الأردنية ينص على الإحالة إلى المدعي العام إذا رأى الرئيس أو المجلس التأديبي أو أي لجنة تقوم بالتحقيق في أي مخالفة تأديبية أن المخالفة التي يتم النظر أو التحقيق فيها تُشكل جريمةً جزائية، وعندها، يُحيل رئيس الجامعة القضية إلى المدعي العام المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها.

وأضافت، أنه في هذه الحالة تُوقف الإجراءات التأديبية إلى حين صدور الحكم النهائي في القضية الجزائية، وفي حال صدور الحكم في القضية الجزائية بعدم مسؤولية عضو الهيئة التدريسية أو تبرئته من التهمة الجزائية التي نُسبت إليه، فإن ذلك لا يحول دون اتخاذ الإجراءات التأديبية بحقه.

كيف تتصرف الأنثى تحت التحرش؟

وفيما يتعلق بكيفية إثبات جريمة التحرش، قالت الدغمي إنه يمكن إثبات جريمة التحرش بكافة الطرق، أي بالشهود والخبرة والرسائل، وغيرها من طرق الإثبات.

من جهته، دعا عبيدات، أي ضحية- سواءً كانت ذكرًا أو أنثى- تعرضت لأحد أشكال التحرش والجرائم الجنسية، إلى حفظ ملامح الفاعل جيدًا في حال لم تكن تعرفه، وأن تحاول قدر المستطاع إيذاء الفاعل، بحيث تترك علامةً على جسده لتظلّ شاهدًا على وقوع الاعتداء وقيامها بالدفاع عن نفسها.

وأكد ضرورة احتفاظ الضحية بأي مراسلات أو مخاطبات بينها والجاني، سواءً كانت مكتوبة أو مسموعة أو غير ذلك؛ لأنها تُشكل قرائن على وجود حالة من حالات التحرش، كما ينبغي على الضحية تبليغ عائلتها أو أصدقائها بما حصل معها بالتفصيل.

وأشار إلى أن وجود شهود- حتى وإن كانت شهادتهم سماعية- يدعم موقف المجني عليه المشتكي ويزيد احتمالية إدانة المشتكى عليه ومعاقبته ومقاصصته؛ لأن الدلائل في جرائم الاعتداءات الجنسية تقتصر على شهادة المجني عليه وحده في معظم الأحيان، لا سيما وأن الاعتداء الجنسي عادةً ما يتم بعيدًا عن أنظار الناس.

وشدد على ضرورة أن تتوجه الضحية على الفور إلى إدارة حماية الأسرة وتتقدم بشكوى؛ لأن التلكؤ في تقديم شكواها له دلالات عند المحكمة بأنها غير جادة، وبالتالي لا تؤخذ أقوالها على محمل الجد، ويكون موقفها مُحاطًا بالشكوك، والحكم الجزائي يُبنى على الجزم والقطع واليقين لا على الشك والتخمين، مُحذرًا من أن أي تأخير ليس في صالح المجني عليه.

وبين عبيدات، أن موقف الدفاع عادةً في القضايا العائمة التي لا تكون الأدلة فيها الأدلة يكون أكثر تمكّنًا وقوةً من موقف النيابة العامة، على قاعدة أن قرينة البراءة تواكب الإنسان وتكون لصيقةً به، وأن النيابة إذا ما اتهمت شخصًا فيقع عليها عبء الإثبات بالدليل القاطع والجازم، وأن الدفاع أو الأدلة الدفاعية- وهي مختلفة عن أدلة الاتهام- لا ينبغي أن تعطي البراءة بل يكفي أن تُشكّك بأدلة النيابة العامة.

وتابع، يجب على الضحية أن تتحرك بسرعة وذكاء، وأن تذهب للإدارة بالحالة التي كانت عليها عند الاعتداء، بالملابس والهيئة ذاتها، دون الاغتسال أو الاستحمام أو تغيير الملابس أو غسلها وتنظيفها؛ تفاديًا لزوال الآثار والمواد العالقة أو الساقطة من جسم الجاني والتي تُشكل الأدلة الجرمية على وقوع الاعتداء.

وأضاف عبيدات، أنه ينبغي على الضحية عندما تُدلي بإفادتها في إدارة حماية الأسرة، أن تذكر الواقعة كما حصلت دون زيادة أو نقصان، وفقًا لتسلسلها الزماني والمكاني؛ لأن أي وقائع إضافية تُدلي بها في إفادتها أمام المدعي العام أو المحكمة بعد عدة أيام أو أشهر، تؤدي إلى وضع إشارات استفهام على شهادتها وتساؤلات حول السبب في عدم إدلائها بهذه الواقعة عند الشرطة منذ البداية.

ولفت إلى أن الشهادة الأولى التي يؤديها المجني عليه هي الأقرب للدقة؛ لأنها الشهادة المتلاحمة زمنيًّا مع الواقعة الجرمية، مشددًا على ضرورة أن تطّلع الضحية على الإفادة الأولى وتقرأها كاملةً للتأكد من مطابقتها للرواية التي سردتها وتضمين مجريات الحادثة بأكملها في الإفادة.

وأوضح، أنه في حال تذكرت الضحية واقعةً معينة بعد الانتهاء من الإفادة، أو رغبت بإجراء أي تعديل لتصحيح الإفادة بعد قراءتها بسبب نقصان فيها أو اجتزاء أو اختلال في السياق، ينبغي على الضحية أن تطلب من الشرطة إجراء ذلك التعديل، ثم تقرأ الضحية إفادتها مرةً أخرى وتباشر التوقيع عليها في حال كانت مطابقة لروايتها والوقائع التي حدثت معها.

وأكد أهمية أن تحفظ الضحية الوقائع الجوهرية التي ذكرتها في شهادتها الأولى أمام الشرطة، وأن تؤكدها وتعيدها أمام المدعي العام بعد بضعة أيام وكذلك أمام المحكمة بعد عدة أشهر؛ لأن أي إخلال أو تناقض في الرواية يتعلق بالوقائع الجوهرية يُعتبر مؤشرًا على الكذب حسبما تفهم هاتين الجهتين الرسميّتين، وبالتالي تُهدر شهادة الضحية وتُطرح جانبًا.

وأضاف عبيدات، أنه ينبغي على الضحية أن توافق على إجراء الفحص الطبي وأخذ عينات من جسدها عندما يُعرض عليها ذلك من الشرطة، سواءً كان التحرش خارجيًّا أو أبلغ من ذلك، فامتناع المجني عليه عن الفحص الطبي مؤشر سلبي، في حين أن مجرد القبول بإجراء الفحص من شأنه أن يساعد الأجهزة الشرطية والتحقيقية في العثور على دليل اتهام يُضاف إلى شهادة المجني عليه، كما أنه يُشير إلى جدية المشتكي، والجدية تدل على المصداقية.

التحرش في الأردن

أظهرت دراسة "ظاهرة التحرش في الأردن 2017" التي أعدتها اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، وأصدرت نتائجها أواخر العام 2018، أن ما نسبته (75.9%) من أفراد عينة الدراسة قد تعرضوا لمرة واحدة على الأقل لأحد أفعال وسلوكيات التحرش الجنسي في الأردن، فيما بلغت نسبة انتشار التحرش الإيمائي (89.1%)، والتحرش اللفظي (88.4%)، والتحرش الجسدي (68.7%)، والتحرش الإلكتروني (80.8%)، والتحرش النفسي (52.3%).

من جانبها، أوصت جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن"، بضرورة الإسراع في إقرار تعديلات قانون العمل، "والمتضمنة استخدام مصطلح التحرش الجنسي لأول مرة في النظام القانوني الأردني، والتوسع في تعريفه، وفي إجراءات الحماية والوقاية خاصة للنساء العاملات"، كما طالبت بالمصادقة على اتفاقية القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل (اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190).

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير