الرواشدة يكتب: الأردنيون في خدمة بلدهم ،أولاً ،شرف وليس تهمة
حسين الرواشدة
صحيح ، نحن الأردنيون ، جزء من أمة عظيمة ، أوفياء لها ونعتز بها ، وندافع عن قضاياها، ونكسر من أجلها خطوط "القطرية" والمصالح الذاتية، لكن أليس الأولى أن ننطلق لأجل ذلك من دائرتنا الوطنية، أقصد أن نكون منذورين لخدمة الأردن ،وأن نعتز بانتمائنا لبلدنا ، وأن نحتفي بتاريخه ورموزه ، وان يكون لدينا مشروع وطني يستوعب طاقاتنا ، ويعبر عنا، معقول أن يمارس البعض تصنيفنا خارج "الملة " الدينية والقومية لمجرد أن نقول: لنا هوية اردنية ، تشكل أولوية نلتف حولها ، أو لنا بلدٌ نصر على أن يصمد ، وأن يبقى قوياً ، لكي نعيش فيه بكرامة، ثم يصب في رصيد أمته ، ومنعة اشقائه ، وخير الإنسانية أيضا؟
نحتاج اليوم ،أكثر من أي وقت مضى ، إلى ترسيم العلاقة بين الدوائر الثلاثة التي تشكل وعينا الثقافي والحضاري ،وتحركنا للاشتباك مع قضايانا ؛ أقصد الدائرة الوطنية والقومية والدينية ، اكيد ، لا يمكن أن تنفصل هذه الدوائر في الوعي الشعبي الأردني ، ولا عن حركة الدولة وسلوكها العام، لكن يمكن ترتيبها وتهذيبها ، والأهم تحريرها من "مغامرات بعض "النخب" ومحاولات استغلالهم لها في إطار انتقائي أحيانا ، ومغشوش أحيانا أخرى .
دعونا نتوافق، لا يجوز أن تتقمص هذه النخب أي قضية خارج السياق الوطني ، ثم تستخدمها للإساءة إلى بلدنا ، أو الإنتقاص من دوره وتاريخه ومصالحه، لا يجوز ،أيضا ، أن نتجاوز سيرورة التاريخ أو نغرق فيه، الدولة ، الآن، هي الإطار الأول والأهم ، ولا يحق لطرف ،مهما كان ، أن يقايضها او يستبدلها بحزب او تنظيم ، مهما كان اسمه ، لا على صعيد الانتماء أو الاحتماء.
نحن أردنيون ، قوميّون ومسلمون ومسيحيون معا، هذه التعددية الجميلة والثرية بكل القيم الإنسانية، يجب أن تصب في دائرة" الهوية الأردنية"، وأن تنسجم مع قيم الدولة الأردنية وتاريخها ومصالحها ، حين تتعارض أو تتصادم أي قضية مع هذه الدائرة، في أي وقت ، ولأي سبب ، لابد أن ينحاز الأردنيون
لدولتهم ، فهي وحدها من تملك قرار تعريف المصالح العامة ، ومتى تعلن الحرب ، ولأي طرف تنحاز ، وهي تفعل ذلك، في إطار خياراتها واضطراراتها، للحفاظ على البلد ، وعليه يصبح من واجب أي تنظيم سياسي أن ينسجم ،تماما ، مع خطاب الدولة ومواقفها، لا أن يزاود عليها باسم الدفاع عن قضايا الأمة، أو يتحدث ،بالنيابة عنها، في إطار امتداد الفكرة والمرجعية التي يؤمن بها ، أو المصالح الذاتية التي يريد تحقيقها.
صحيح ، الأردنيون منذورون لخدمة أمتهم ، وقضاياها العادلة ، وفي مقدمتها قضية فلسطين التي تقع في صميم أولوياتهم و اهتماماتهم، لكن حان الوقت لكي يكون الأردنيون منذورين ، أيضا، لخدمة الأردن بلدهم ، وأن تكون "الوطنية" والهوية الأردنية القاسم المشترك الذي يوحدهم ، وأن يخرجوا من العباءات الصغيرة والكبيرة التي خلعها أصحابها ، وأصبحت جزءا من الماضي .
حان الوقت ،أيضاً ، لكي يدير الأردنيون خلافاتهم بعقلانية ، وبدون تعصب او اقصاء او استعداء، وان يتحرروا من شعارات بعض النخب التي لا ترى أي حق ،أو إنجاز، أو أي شيء جميل ، إلا خارج حدود الوطن ، ولا تتعامل مع هذا البلد ؛بكل ما له من تاريخ وإنجازات ومواقف ، إلا في إطار "الوظيفة " و"الساحة" و "الوقت الضائع" ، يا سادة: لم يقدم أحد لأمته كما قدم الأردنيون ، ولن يقدموا لها المزيد إلا إذا بنوا وطنهم بأيديهم وقلوبهم ، بكل إتقان وإخلاص، وانتماء ومحبة ،لكي يبقى قويا وصامدا، وهذا ما سيكون، الأردنيون لن يتنازلوا عن ذلك .

