وليد عبد الحي يكتب: الظاهرة السياسية اليمنية وطوفان الاقصى
وليد عبد الحي
ينفرد اليمن الشمالي في الموقف من طوفان الاقصى بسمات مميزة تستحق التأمل :
1- تحويل البحر الأحمر للمرة الأولى الى منطقة حربية بالمعنى الدقيق للكلمة، فقد عرف البحر الاحمر في فترات سابقة "احتكاكات عسكرية" حول بعض جزره او خلال الحروب العربية الاسرائيلية ، لكنها لم تاخذ طابع الحرب الواسعة كما يجري الآن ، فقد شاركت في المعارك كل من اليمن –أنصار الله- واسرائيل وامريكا وبريطانيا ، وتواصلت المواجهة منذ 19 نوفمبر 2023 الى فبراير 2025، وطبقا لارقام معهد الامن القومي الاسرائيلي فقد جرى في البحر الاحمر 400 هجوم بحري، وتعرضت اسرائيل لهجمات صاروخية او بالمسيرات من اليمن 370 مرة اصابت مدنا ومرافق اسرائيلية ولمرات عديدة، ووصل الامر الى حد اعلان مدير ميناء ايلات عن "افلاس الميناء" وارتفاع نسبة التأمين على السفن الاسرائيلية العابرة للبحر الاحمر بمعدل 250%، الى جانب توقف 28% من التجارة البحرية الاسرائيلية بسبب اغلاق ميناء ايلات ، وانعكاس ذلك على تقلص كبير في السياحة وزيادة في البطالة وارتفاع الاسعار ...الخ.
2- الظاهرة القيادية اليمينة: دأب زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي على الظهور تباعا والقاء الخطب السياسية حول الطوفان، لكن ما يلفت النظر في هذه الشخصية ليس شبابها فقط ( فعمره 45 سنة) ولكن نمطها الخطابي، فهو شخص لا ينفعل خلال الخطاب، ويتحدث في احرج الموضوعات واخطرها بهدوء شديد خلافا لكثير من الثوريين العرب- والعرب بشكل عام - الذين يغلب الصراخ على خطبهم، فهو يهدد ويتحدث عن موضوعات حساسة ، وتستشعر الغضب العميق داخله ،لكنك بالكاد تسمع صوته ، ولا تشعر بانه منفعل أو متوتر، وهو في هذا اقرب للمتحدثين من غير العرب مع ان اليمن اصل العرب. ومع انه أقرب لرجل الدين فان خطبه التي غالبا ما تجري ايام الجمعة تختلف عن خطباء المساجد عامة، فهؤلاء الخطباء يتوهمون ان الصراخ في الخطبة من شروط الاقناع، بينما نرى هذا الرجل هادئ الى حد بعيد، ووتيرة صوته لا تتغير، وفوق ذلك كله مقنع للمتلقي، فهو من اهل الطحن لا الجعجعة.
3- المظاهرات المساندة لفلسطين: منذ بداية التظاهر ضد اسرائيل فان اليمن " الشمالي" سجل اعلى عدد مظاهرات شعبية في العالم ، فقد تجاوز عدد المظاهرات اليمنية منذ بداية المواجهة 5800 (خمسة آلاف و800 ) مظاهرة، كما ان عدد المشاركين في كل مظاهرة هو الاعلى عالميا ، وبالمقارنة فان دولا عربية "منعت" التظاهر لصالح فلسطين منذ بداية التظاهر ، ومجموع ما خرج من مظاهرات عربية لمساندة فلسطين في بقية الدول العربية لا يتجاوز ثلاثة آلاف مظاهرة( منها 79% في المغرب) بينما بلغت في تركيا 1745 مظاهرة وفي ايران 1132 مظاهرة، بينما في بقية الدول الاسلامية تراوح العدد بين العدد الفردي والعشري.
4- ان كل ما ورد اعلاه ، جاء من مجتمع ودولة يصل فيها معدل دخل الفرد الى 2100 دولار سنويا وتحتل المرتبة 178 عالميا في معدل دخل الفرد ، بينما في منطقة الخليج التي ينتمي لها اليمن يصل معدل الدخل لدول مجلس التعاون الخليجي الى 72 الف دولار(على اساس المعادل الشرائي)، لكن مجموع المظاهرات لم يتجاوز 9 مظاهرات في دوله الست.
5- ان اليمن أعلن رسميا أنه سيعود الى المواجهة مع اسرائيل إذا لم يتم رفع الاغلاق للمعابر على غزة، وحدد نهاية المهلة لرفع الاغلاق بهذا اليوم ، وهو ما يعني احتمال اشتعال المواجهة من جديد ، بينما القمة العربية خرجت بقرارات تشي في مضمون قراراتها ب " تجريد المقاومة من سلاحها".
أليس كل ما سبق يستحق التأمل..فدلالاته كبيرة إن كنتم تعلمون...ربما.

