الرواشدة يكتب : ‏يحدث حين يستخدم السياسي "الرُّقية الشرعية"

 

‏حسين الرواشدة

‏ما فعلته بعض التيارات الدينية التي تسللت إلى بلادنا ، وأقحمت الدين في العملية السياسية ، يشبه -تماما - ما فعله المعالج بالرقية الشرعية ، هذا الذي تم ضبطه قبل أيام بتهمة ممارسة الضرب بحجة العلاج ، وفقاً للرواية المتداولة فإن "الشيخ " انقضّ على إحدى الفتيات بالضرب المبرح، مما تسبب لها في عدة كسور بالصدر، ونزيف بالكبد والطحال؛ حدث ذلك بدعوى طرد الجنّ الذي تلبسها ، وأدى إلى تأخر زواجها(!) .

‏كما تعاملَ الشيخ الذي دخل باسم الدين على خطّ الطب ، ووظّفه لتحصيل بعض المكاسب المادية ، تعاملت نسخ من الإسلام السياسي مع المجتمعات والدول التي تعيش فيها ، رفعت شعار إصلاحها ومعالجتها من أمراضها ومشكلاتها ، لكنها في الحقيقة وظفت الدين لمصالحها وحساباتها السياسية ، فألحقت الضرر بالدين والسياسة معاً ، الأخطر أنها استخدمت أدوات "الضرب " فحاولت أن تكسر فكرة الدولة ، وأن تعمق الانقسامات داخل المجتمع ، ثم استنزفت طاقات كبيرة للوصول إلى السلطة ، وحين وصلت ،كما حصل في بعض المرات ، لم تفلح في تقديم أي جديد.

‏لدينا عشرات الشواهد على ذلك ، خذ ما حدث في الجزائر بعد العشرية الدموية ؛ حركة مجتمع السلم التي انتهت إلى الفشل ، خذ ، ثانياً، ما حدث في السودان بعد أن انفرط عقد التحالف بين البشير والترابي، ثم بعد أن سقط نظام البشير وما واجهته السودان من تقسيم وحروب ما تزال قائمة حتى الآن ، خذ، ثالثاً، ما جرى في مصر حين وصل مرسي للحكم وكيف انتهى ، خذ، رابعاً، التجربة التونسية والمغربية واليمنية والعراقية، لا تنسى ،بالطبع ، تجارب الإسلام السياسي في فلسطين وليبيا وكذلك في بلدنا، النتيجة واحدة ، لقد فشل الإسلام السياسي في خدمة الدين وفي ممارسة السياسة أيضاً.

‏لقد اصبح عزل النشاط الديني عن النشاط السياسي ضرورة للخروج من المعادلات والأساطير التي أسست قواعد الاشتباك السياسي في بلدنا على مدى عشرات السنين، وأصبح ضرورة للخروج ، أيضاً، من أفكار احتكار الحقيقة وتخويف الآخر وربما تكفيره ، هذه التي يمارسها السياسي حين يتحدث باسم الدين في السياسة ، حالة الفصل بين الديني والسياسي تضمن للطرفين حدود الحركة المسموح بها والمطلوبة، الديني يتحدث باسم الله في شؤون الدين والآخرة، والسياسي يتحدث باسم الناس في شؤونهم وقضاياهم اليومية ، ويضع ما يلزم من برامج وحلول لها.

‏أفضل ما يمكن أن نفعله لتحريك عجلة التحديث السياسي ، هو إنتاج أحزاب سياسية تدور في فلك الدولة، وتقنع الأردنيين أنها ولدت من رحم مجتمعهم وحاجاتهم، وتصب في مصالحهم، ولا ترهن ارادتها لقضايا ومرجعيات خارج الحدود على حساب قضايا بلدها وأولوياته ، ولا توظف الدين والأيدولوجيا لكسب العواطف وتوزيع الوعود والأوهام، هذا ، بالطبع، لن يتحقق إلا إذا تم ترسيم الحدود بين السياسي والديني، وأصبح كلٌّ منهما يتحرك في مجاله.