الشوبكي: الضرائب على الوقود تُلقي بظلالها على الأردنيين.. وهذه الأسعار للشتاء القادم
خاص
قال خبير الطاقة المهندس عامر الشوبكي إن العبء الذي تفرضه تكاليف الوقود على المواطن الأردني يعد معضلة اقتصادية خانقة، وتعكس قضايا هيكلية أعمق داخل بنية الاقتصاد الوطني.
وأوضح الشوبكي في تصريحٍ لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، الثلاثاء، أن الأردن يعتمد بشكل كبير على الطاقة المستوردة، مما يجعله عرضة لتقلب أسعار النفط العالمية؛ إذ يمكن أن تتقلب الأسعار بسبب التوترات الجيوسياسية أو اضطرابات سلسلة التوريد أو التحولات في الطلب العالمي.
وقال الشوبكي إن سياسة الضرائب الأردنية على الوقود من خلال فرض ضرائب ثابتة عليه، تُلقي بظلالها على المواطن الأردني، فحتى مع انخفاض الأسعار العالمية، تظل التكلفة مرتفعة، وذلك نتيجة الضريبة الثابتة التي أقرتها الحكومة بهدف تثبيت استقرار إيراداتها وتوفير تدفق ثابت من الدخل أقل حساسية لتقلبات الأسواق العالمية.
وأردف أن استراتيجية الحكومة لرفع الأسعار بشكل تدريجي من خلال الضرائب، وخاصة على المشتقات البترولية، تشكل حجر الزاوية في أجندتها للإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. وقد هدف هذا النهج، الذي بدأ في عام 2012، إلى استقرار وتعزيز إيرادات الحكومة من خلال زيادة العبء الضريبي تدريجيًا. وبحلول عام 2019، بلغت هذه الاستراتيجية ذروتها بفرض ضريبة مقطوعة ثابتة مصممة لتأمين 1.25 مليار دينار سنويًا، وتحديدًا من المشتقات البترولية مثل البنزين والديزل. وقد تم فرض الضريبة، المعروفة باسم "الضريبة الخاصة"، في المقام الأول لضمان تدفق دخل ثابت وموثوق للحكومة، وفقًا لما نصت عليه اتفاقياتها مع صندوق النقد الدولي.
ومع ذلك، كان الواقع متناقضًا مع هذه التوقعات، فلم تتحقق النتائج الإيجابية المتوقعة - مثل زيادة الرعاية الاجتماعية والنمو الاقتصادي القوي. بل على العكس، تدهور المشهد الاقتصادي، ما أثار مخاوف جدية بشأن فعالية السياسة الضريبية وبرنامج صندوق النقد الدولي الأوسع.
وبيّن أن الضريبة الثابتة على البنزين 90 أوكتان حاليًا تصل إلى نحو 42٪ من السعر الإجمالي للتنكة، في حين أن الضريبة على البنزين 95 أوكتان أعلى من ذلك، بنسبة 51٪، وكذلك الأمر مع الضريبة المفروضة على الديزل، وهي بنسبة 24٪، ما يعني أن جزءًا كبيرًا مما يدفعه الأردنيون عند المضخة ليس للوقود نفسه وإنما للضريبة التي تفرضها الحكومة، في وقتٍ سيكون فيه سعر برميل نفط برنت عند 85 دولارًا وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، أو عند 61 دولارًا وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وأنه من المتوقع أن يتراوح سعره خلال العام القادم ما بين 60 – 85 دولارًا، وهذا يعني أن أسعار المشتقات النفطية ستكون +/- دينار لكل 20 لترًا، أو +/- 5 قروش لكل لتر فوق السعر الحالي.
وصرّح الشوبكي أنه من غير المعقول أن يدفع المواطن 7 دنانير كضريبة في كل مرة يقوم فيها بتعبئة 20 لتر بنزين 90، وكذلك الأمر مع تعبئة 20 لتر بنزين 95 ووصول الضريبة إلى 11 دينارًا ونصف، وربعها للديزل بقيمة 3 دنانير و30 قرشًا.
وأكد أن تكلفة الوقود المرتفعة لها آثار عميقة على قدرة الأردن في جذب الاستثمارات والاحتفاظ بها، فالمستثمرون يبحثون عن بيئات حيث تكون تكاليف التشغيل قابلة للتنبؤ بها وإدارتها. ومع ذلك، فإن التكاليف المرتفعة وغير المتوقعة المرتبطة بالوقود يمكن أن تردع الاستثمار، وخاصة في القطاعات التي تعتمد على الطاقة بشكل كبير.
وأشار الشوبكي إلى أن المناطق الريفية والطرفية في الأردن، حيث خيارات النقل العام محدودة أو غير موجودة، يظهر فيها الاعتماد على المركبات الخاصة بشكلٍ واضح وجلي. وغالبًا ما تكون هذه المناطق محرومة اقتصاديًا، مع فرص عمل أقل، ومتوسط دخل يلامس الحد الأدنى. وبالتالي، فإن ارتفاع تكلفة الوقود له تأثير غير متناسب على هذه المجتمعات، حيث يتعين على السكان التنقل لمسافات طويلة من أجل فرص العمل، والتعليم، والرعاية الصحية، ما يعني أن هؤلاء المواطنين ليس لديهم خيار سوى تحمل تكاليف الوقود المرتفعة، ليزيد ذلك من ترسيخ التفاوت الاقتصادي بين المناطق الحضرية والريفية.
وذكر أن أحد أكثر المؤشرات إثارة للقلق لهذا الفشل هو عجز الميزانية المتضخم، فعلى الرغم من الإيرادات الإضافية المتولدة من الضريبة على المشتقات النفطية، إلا أن العجز ارتفع إلى أكثر من 3 مليارات دينار، إلى جانب وصول الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة، حيث بلغ الآن نحو 58.5 مليار دولار، وتشير التوقعات إلى أنه قد يصل إلى 60 مليار دولار بحلول نهاية العام. وهذا يمثل 118٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
وبالنسبة للشوبكي، فإن تصاعد الدين العام والعجز المتزايد في الميزانية يشير إلى قضايا نظامية أعمق فشلت السياسة الضريبية الحالية في معالجتها. فقد تجاهل التركيز على تأمين الإيرادات الفورية من خلال الضرائب على السلع الأساسية، مثل البنزين والديزل، السياق الاقتصادي الأوسع، مبينًا أن هذه الضرائب أثرت بشكل غير متناسب على المواطنين العاديين، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى شرائح الدخل المنخفض، مما أدى إلى زيادة التفاوت الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية. كما أدى العبء المالي الإضافي على الأسر إلى خفض الدخل المتاح، وخنق الإنفاق الاستهلاكي، وإضعاف الطلب المحلي، وهي محركات حاسمة للنمو الاقتصادي.
وفي ضوء هذه التطورات، أكد الشوبكي ضرورة أن تعيد الحكومة النظر في نهجها في الإصلاح الاقتصادي. فقد ثبت أن الاعتماد على فرض الضرائب على السلع الأساسية لتلبية الأهداف المالية غير منتج، مما أدى إلى تفاقم القضايا ذاتها التي كان من المفترض أن يحلها. وبدلاً من ذلك، ينبغي للحكومة أن تستكشف استراتيجيات بديلة تركز على تحفيز النمو الاقتصادي، والحد من التفاوت، وإدارة الدين العام بشكل أكثر فعالية. وقد يتضمن هذا مزيجًا من التدابير السياسية، بما في ذلك إعادة هيكلة النظام الضريبي لجعله أكثر تصاعدية، وتحسين كفاءة الإنفاق العام، والاستثمار في القطاعات التي لديها القدرة على دفع النمو الاقتصادي في الأمد البعيد.