الشوبكي: الأردنيون مقبلون على سيناريو مخيف

{title}
أخبار الأردن -

  خاص

سلّطت تصريحات الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية الضوء على اعترافات الحكومة بوجود هيكل تسعير غير عادل، ومضمن في عقد مشروع العطارات، مبينًا أن قبول مثل هذه الاتفاقية غير العادلة من قبل المسؤولين الحكوميين يثير أسئلة عميقة حول العواقب بعيدة المدى على السيادة الاقتصادية للأردن.

وحذّر الشوبكي من أن العواقب المالية ستفرض عبئًا على الحكومة الأردنية قد يتجاوز 5 مليارات دينار أردني. وهذا من شأنه أن يضع شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) أمام إفلاس وشيك، مع تضخم ديونها إلى أكثر من 10 مليارات دينار في العقد المقبل، مدفوعة بالخسائر المركبة المنسوبة مباشرة إلى مشروع العطارات، ومثل هذا السيناريو لن يشل شركة الكهرباء الوطنية فحسب، بل سيتطلب أيضًا تدخل الحكومة، مما ينقل العبء فعليًا إلى دافعي الضرائب ويفاقم وضع الديون الهش بالفعل في الأردن.

وبيّن أن الهيكل القانوني والمالي لشركة الكهرباء الوطنية بموجب القانون الأردني واضح: فالشركات التي تتجاوز ديونها رأس مالها بكثير تخضع للتصفية، ولكن قرار الحكومة بالإبقاء على شركة الكهرباء الوطنية طافية على الرغم من ضائقتها المالية الشديدة يشير إلى عدم رغبتها في مواجهة حقيقة الموقف ــ وهي الحقيقة التي قد تؤدي إلى تداعيات اقتصادية كارثية.

وحتى في حالة التصفية، فإن الالتزامات المالية لشركة الكهرباء الوطنية لن تختفي ببساطة؛ بل ستعود إلى الحكومة، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى وضع لا يمكن تحمله بالفعل.

وفي مواجهة هذه الاحتمالات القاتمة، يدعو الشوبكي إلى إجراء تحقيق شامل في أصول عقد العطارات، ويقترح أن تتولى هيئة مكافحة الفساد زمام المبادرة في الكشف عن أي مخالفات محتملة. ولا يمكن المبالغة في أهمية هذا التحقيق، لأنه قد يكشف عن قضايا نظامية في نهج الأردن تجاه مشاريع البنية الأساسية واسعة النطاق ــ وهي القضايا التي قد تستمر في استنزاف موارد الدولة إذا تُرِكَت دون معالجة.

إن اقتراح الشوبكي بتوسيع نطاق هذا التدقيق ليشمل المراحل الأولية من مشاريع الطاقة المتجددة يؤكد الطبيعة المترابطة لهذه الاتفاقيات وتأثيرها الجماعي على تماسك الاقتصاد الأردني.

إن تأثير النموذج المالي المعيب لمشروع العطارات محسوس بالفعل، وهذا ما أشار إليه الشوبكي من خلال زيادة حادة بنسبة 77٪ في خسائر شركة الكهرباء الوطنية في عام 2023 وحده، مع تصاعد الخسائر من 232 مليونًا إلى 410 ملايين دينار مع بدء تشغيل المشروع.

هذه الزيادة الهائلة ليست مجرد انعكاس للتخطيط المالي السيئ؛ بل إنها نذير بالمسار غير المستدام الذي تسير فيه شركة الكهرباء الوطنية - وبالتالي الاقتصاد الأردني، وبدون تدخل فوري، ستستمر هذه الخسائر في الارتفاع، مما يؤدي إلى تآكل الاستقرار الاقتصادي في الأردن.

وأوضح الشوبكي أن الحكومة قد تلجأ إلى رفع أسعار الكهرباء كإجراء مؤقت. ومثل هذه الخطوة، رغم أنها توفر تخفيضًا قصير الأجل، من شأنها أن تخلف عواقب مدمرة في الأمد البعيد. فزيادة أسعار الكهرباء بنسبة تصل إلى 17% من شأنها أن تفرض عبئًا إضافيًا على الأسر الأردنية، مما يقلل من قدرتها الشرائية في بيئة اقتصادية صعبة بالفعل.

ونوّه إلى أن عواقب مثل هذه الزيادات في الأسعار تمتد إلى ما هو أبعد من الضغوط المالية المباشرة على الأسر والشركات؛ فقد تؤدي إلى تعجيل تباطؤ اقتصادي أوسع نطاقًا وتفاقم التوترات الاجتماعية بطرق يصعب عكسها.

إن أحد التأثيرات المباشرة والمثيرة للقلق لارتفاع تكاليف الكهرباء سيكون على مناخ الاستثمار في الأردن. فقد كانت تكاليف الطاقة المرتفعة تشكل دومًا عاملًا حاسمًا في عمليات اتخاذ القرار لدى المستثمرين، وأي زيادة أخرى قد ترجح كفة الميزان لصالحها. وقد تصبح فاتورة الكهرباء، التي تشكل بالفعل نفقات كبيرة للشركات، باهظة التكلفة إلى حد لا يطاق، مما يدفع المستثمرين الحاليين والمحتملين إلى البحث عن أسواق أكثر تنافسية. ولن يؤدي هذا الخروج الاستثماري إلى خنق النمو الاقتصادي فحسب، بل أيضًا إلى تقليص فرص خلق فرص العمل، وتعميق أزمة البطالة التي يواجهها الأردن بالفعل.

وعلاوة على ذلك، فإن الضغوط الاقتصادية التي تفرضها تكاليف الكهرباء المتزايدة من المرجح أن تتسرب إلى كل مستويات المجتمع، فتضرب الفئات الأكثر ضعفًا. ومع ارتفاع أسعار الكهرباء، من المرجح أن تتبعها تكاليف السلع والخدمات، مما يؤدي إلى ضغوط تضخمية تؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين العاديين. وقد يدفع هذا الوضع المزيد من الأسر إلى ما دون خط الفقر، وسوف يتعرض العقد الاجتماعي بين الحكومة والشعب ــ القائم على توفير الخدمات الأساسية والاستقرار الاقتصادي ــ لاختبار شديد، مما قد يؤدي إلى اضطرابات واحتجاجات واسعة النطاق.

وبالإضافة إلى هذه التحديات المحلية، يسلط تحليل الشوبكي الضوء على دور الحكومة في المساهمة في الأزمة الحالية من خلال نمط من الوعود المضللة والتوقعات غير المحققة. فقد ثبت أن تأكيدات الحكومة بأن استيراد الغاز من إسرائيل من شأنه أن يؤدي إلى خفض فواتير الكهرباء وتكاليف الإنتاج كانت جوفاء. وبدلًا من ذلك، شهدت شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) ارتفاعًا هائلًا في خسائرها، مما قوض مصداقية سياسات الطاقة الحكومية.

والوضع فيما يتعلق بإنتاج النفط مثير للقلق بنفس القدر. فقد تناقضت ادعاءات الحكومة الجريئة في عام 2020 حول تحقيق معدل إنتاج يبلغ 2000 برميل يوميًا بشكل صارخ مع حقيقة 200 برميل فقط يوميًا. وهذا العجز يعكس فشلًا أوسع في قدرة الحكومة على إدارة استراتيجيتها في مجال الطاقة والتواصل بشأنها.

وأكد الشوبكي أن هذه الوعود غير المنجزة والأخطاء المالية قد وضعت الأردن في موقف حرج مع صندوق النقد الدولي، فهو ملزم ببرنامج الإصلاح الاقتصادي في ظل صندوق النقد الدولي، ولكن الخسائر المتصاعدة لشركة الكهرباء الوطنية والعجز المالي الإجمالي يشكلان تحديات كبيرة للوفاء بهذه الالتزامات، وقد وقعت الحكومة في مأزق، مضغوطة بين مطالب صندوق النقد الدولي بالانضباط المالي والحاجة إلى معالجة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة في الداخل. وأي خطأ في هذا التوازن الدقيق قد يخلف عواقب وخيمة، مما قد يؤدي إلى فقدان الثقة من جانب المقرضين والمستثمرين الدوليين، ما يعني تفاقم المشاكل المالية التي يعاني منها الأردن.

إن الدين العام المتصاعد والزيادات المتتالية في عجز الموازنة تضيف طبقة أخرى من الإلحاح إلى الموقف. فقد وصل الدين العام في الأردن إلى مستويات مثيرة للقلق، وأصبحت مساحة المناورة المتاحة للحكومة مقيدة بشكل متزايد. ولا يقتصر عبء الديون هذا على الحد من قدرة الحكومة على الاستثمار في البنية التحتية الحيوية والخدمات الاجتماعية، بل إنه يزيد أيضًا من خطر اندلاع أزمة ديون يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير