ما بين استخدام الحيوانات والدرون.. تطور ملحوظ في أنماط التهريب للأردن
قدّم الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد تحليلاً عميقاً للتطورات الأخيرة في أنشطة تهريب المخدرات التي تستهدف حدود الأردن.
وفي معرض حديثه لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية عن النجاح الذي حققته القيادة العامة للقوات المسلحة مؤخراً في إحباط عملية تهريب مخدرات على الجبهة الجنوبية، قائلًا إنها الحادثة الثانية من نوعها التي يتم الإبلاغ عنها في شهر أغسطس/آب وحده، مما يشكل اتجاهاً مقلقًا يشير إلى تحد أوسع وأكثر تعقيدًا للأمن الوطني الأردني.
وسلّط أبو زيد الضوء على ديناميكية بالغة الأهمية ومتطورة: التحول الجغرافي في أنشطة التهريب من الجبهة الشمالية المستهدفة تاريخيًا إلى الجبهتين الجنوبية والغربية. وهذا التحول ليس مجرد مصادفة بل إنه يشير إلى استراتيجية مدروسة من قبل المهربين الذين يستغلون بشكل متزايد طرقًا وأساليب جديدة في عملياتهم.
وبيّن أن محاولة اختراق الجبهة الجنوبية - وهي المنطقة التي كانت تعتبر في السابق أقل عرضة للخطر - تشير إلى جهد متعمد ومنهجي للالتفاف على التدابير الأمنية المكثفة التي تم فرضها بنجاح في الشمال.
ويرى أبو زيد أن ما يثير القلق بشكل خاص هو استخدام الطائرات بدون طيار أو المركبات الجوية غير المأهولة في محاولات التهريب هذه، ما يمثل هذا التصعيد التكنولوجي تحولاً جذرياً في طبيعة عمليات التهريب، حيث تجاوز الأساليب التقليدية إلى تبني أدوات أكثر تطورًا وتقنية.
ولا يعكس استخدام الطائرات بدون طيار قدرة شبكات التهريب على التكيف فحسب، بل يعكس أيضاً قدرتها على الوصول إلى التقنيات المتقدمة، التي تستفيد منها للتغلب على الدفاعات الهائلة للقوات المسلحة الأردنية.
ويتطرق تحليل أبو زيد أيضًا إلى الآثار الأوسع لهذا التحول على استراتيجية الأمن الأردنية. فقد يكون انتقال أنشطة التهريب إلى الجنوب استجابة لنجاح القوات الأردنية في الحد من مثل هذه الأنشطة في الشمال من خلال قواعد الاشتباك المعززة والمراقبة القوية. ومع ذلك، فقد أجبر هذا المهربين أيضاً على الابتكار وتنويع أساليبهم، مما يطرح مجموعة جديدة من التحديات أمام الجيش.
وعلاوة على ذلك، أشار أبو زيد إلى أن دور الأردن كمركز عبور وليس وجهة نهائية لهذه المخدرات يزيد من تعقيد الوضع. إن المخدرات تأتي في كثير من الأحيان من مناطق تعاني من الصراعات، وخاصة سوريا، وتتجه إلى أسواق خارج الأردن. وتضع ديناميكية العبور هذه الأردن في الخط الأمامي لشبكة إقليمية لتهريب المخدرات، الأمر الذي يتطلب التكيف المستمر واليقظة من جانب قواته المسلحة لمواجهة التهديدات المتطورة.
وفي الختام، يرسم تعليق أبو زيد صورة لمشهد تهديد سريع التغير، حيث لا يغير المهربون مساراتهم فحسب، بل يعملون أيضًا على تعزيز قدراتهم باستخدام تكنولوجيا متطورة. وهذا يستلزم إعادة معايرة استراتيجيات الأمن الأردنية، وخاصة على طول الجبهتين الجنوبية والغربية.
الحسنات: القوات المسلحة تُظهر تكتيكات دفاعية متقدمة
وبدوره، قال اللواء المتقاعد عبد الله الحسنات إن القوات المسلحة الأردنية أظهرت حزمًا في تأمين الجبهات الشرقية، والشمالية الشرقية، والشمالية، وأن جهودها قد أدت إلى تنفيذ العديد من العمليات النوعية بنجاح، والتي أحبطت بفعالية العديد من محاولات المخربين لتهريب المخدرات والأسلحة.
يأتي ذلك بعد إحباط المنطقة العسكرية الجنوبية، اليوم الاثنين، على واجهتها الغربية وضمن منطقة مسؤوليتها، محاولة تهريب كمية من المواد المخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة (درون).
وأوضح لدى حديثه لصحيفة "أخبار الأردن" أن المهربين استغلوا – تاريخيًا - مناطق الصراع ومناطق عدم الاستقرار لتنفيذ أنشطتهم، فقد شهدت الأزمة العراقية زيادة في التهريب عبر الحدود مع العراق، وظهرت أنماط مماثلة مع سوريا.
وأشار الحسنات إلى أن الأحداث الأخيرة في غزة والضفة الغربية أسهمت في زيادة محاولات التهريب. وردًا على ذلك، كانت القوات المسلحة الأردنية يقظة، واستخدمت تدابير مضادة متقدمة لاعتراض هذه التهديدات.
ونوّه إلى أن أحد التحديات الرئيسية كان استخدام المهربين للتكنولوجيا الحديثة، وخاصة الطائرات بدون طيار، مضيفًا أنه تم استخدام هذه الأجهزة ليس فقط لنقل البضائع غير المشروعة ولكن أيضًا لأغراض الاستطلاع، لتنجح القوات المسلحة الأردنية في اعتراض وإسقاط العديد من هذه الطائرات.
الروسان: شبكات التهريب في سيناء تستنسخ أساليب نظيراتها في سوريا
من جانبه، لفت العميد المتقاعد أيمن الروسان الانتباه إلى التصعيد المقلق لزراعة المخدرات وأنشطة التهريب داخل منطقة الصحراء الشاسعة في شمال سيناء، فقد أصبحت هذه المنطقة، الممتدة من شرق قناة السويس إلى الحدود مع إسرائيل، مرتعًا لإنتاج المخدرات والاتجار بها، الأمر الذي يفرض تحديات أمنية كبيرة على المنطقة.
وأوضح لدى حديثه لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن شبكات التهريب العاملة في هذه المنطقة تشكل جزءًا من إطار إقليمي أوسع وأكثر تنسيقًا، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بشبكة تسهل الترويج للمخدرات عبر الحدود.
وبيّن أن هذه الشبكات تستمد قوتها من الأرباح الهائلة التي تدرها تجارة المخدرات، الأمر الذي دفعها إلى التكيف والتطور استجابة لتشديد التدابير الأمنية على طول طرق التهريب التقليدية، فعلى سبيل المثال، أجبرت الإجراءات العسكرية في شمال الأردن هذه الشبكات على تغيير ممرات التهريب الخاصة بها، حيث اختارت الآن توجيه المخدرات عبر الأردن من الغرب.
وفي تطور مثير للقلق، أشار الروسان إلى أن شبكات التهريب في سيناء بدأت باستنساخ الأساليب المتطورة التي تستخدمها نظيراتها في سوريا، بما يشمل استخدام التكنولوجيا المتقدمة والوسائل غير التقليدية لنقل أنواع مختلفة من المخدرات إلى إسرائيل والأردن، واستهداف هذه البلدان كنقاط دخول إلى أسواق أكبر.
وذكر أنه تم استخدام طائرات بدون طيار - وخاصة طائرات الرش الزراعي القادرة على حمل ما يصل إلى 10 كيلوغرامات من المخدرات، وهو ما يمثل قفزة كبيرة في تعقيد عمليات التهريب.
وأردف الروسان قائلًا إن سوريا، في ظل نظام الأسد، برزت كواحدة من أكبر الدول المصدرة للمخدرات غير المشروعة في العالم، حيث تتدفق كميات كبيرة منها إلى الأردن والعراق قبل توزيعها على مناطق أبعد، وقد أدى تواطؤ النظام في هذه التجارة إلى تفاقم أزمة المخدرات الإقليمية، مما أدى إلى خلق رابط مباشر بين زعزعة الاستقرار في سوريا وتهديدات الاتجار بالمخدرات المتزايدة التي تواجهها البلدان المجاورة.
بالإضافة إلى التقدم التكنولوجي، لجأت شبكات التهريب هذه إلى أساليب أكثر غرابة مثل استخدام الحيوانات لنقل المخدرات عبر الحدود، فهذا التكتيك، وإن كان أقل تطورًا من الناحية التقنية، إلا أنه فعّال للغاية.