اللقاء الروسي الفلسطيني، دلالات وأبعاد إقليمية ودولية

{title}
أخبار الأردن -

  مروان طوباسي

في خضم التوترات الجيوسياسية العالمية وتصاعد حجم جرائم حرب الإبادة والتهجير الإسرائيلية بحق شعبنا والقانون الدولي وسيادة دول المنطقة، برزت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى موسكو كخطوة تحمل في طياتها العديد من الدلالات السياسية والاستراتيجية.

هذه الزيارة، التي تأتي في سياق تعزيز العلاقات الروسية الفلسطينية تحديداً في هذا الظرف، لا تنفصل عن التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، خاصة مع اقتراب انعقاد قمة مجموعة "بريكس" والحديث عن إصدار عملة جديدة تهدف إلى تقويض هيمنة الدولار في السوق العالمية. حيث باعتقادي يتجاوز هذا التقارب الروسي الفلسطيني العلاقات الثنائية والأوضاع الداخلية الفلسطينية التي تدفع بها روسيا نحو الوحدة في إطار منظمة التحرير، ليشمل أبعاداً إقليمية ودولية تتعلق بالتحالفات الروسية الصينية والإيرانية وتأثيرها على المنطقة، كما ودور الولايات المتحدة في إثارة بؤر النزاع حول العالم والدور المعيق الذي تلعبه بمنطقتنا لإيجاد حلول تقوم على تنفيذ حق تقرير المصير والقرارات الأممية ذات الصلة ومنها ضرورة إنهاء الاحتلال الاستيطاني نحو إقامة الدولة كاملة السيادة وفق حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين وفق القرار 194، هذا إضافة إلى دعم حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة .

أولاً: التقارب الروسي الفلسطيني في سياق عالمي جديد

العلاقة بين روسيا وفلسطين ليست حديثة وتمتد عقود إلى الوراء منذ زمن القيادة السوفيتية وما ربطتها من علاقات الصداقة والتحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية على كافة المستويات والتي ترتكز اليوم على المواقف الثابتة للقيادة الروسية في الدفاع عن كامل الحقوق غير القابلة التصرف لشعبنا الفلسطيني وانعكاسها الدائم بكافة المحافل الدولية وفي علاقات روسيا الثنائية أو المتعددة مع الدول الأخرى والمنتديات السياسية والاقتصادية التي تشارك بها روسيا، وهي تتعمق باستمرار في ظل الظروف الحالية. ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لفرض عزلة على روسيا نتيجة للحرب في أوكرانيا التي تقودها الولايات المتحدة بالوكالة مع الناتو، تسعى موسكو لتعزيز تحالفاتها مع الدول التي تشترك معها في رفض الهيمنة الغربية على النظام الدولي. زيارة الرئيس أبو مازن لموسكو تعكس محاولة فلسطينية للاستفادة من هذا التوجه الروسي، خاصة مع تضاؤل الدعم الدولي الغربي للقضية الفلسطينية. هذا التقارب قد يسهم في إعادة تموضع فلسطين على الساحة الدولية، ليس فقط كقضية سياسية ولكن كجزء من تحالفات جديدة قد تغير من موازين القوى في الشرق الأوسط.

ثانيا: البعد الصيني وتأثيره على العلاقات الروسية الفلسطينية

التقارب الروسي الفلسطيني لا يمكن فصله عن الدور الصيني المتنامي في المنطقة. الصين، التي تعتبر أحد أبرز الشركاء الاستراتيجيين لروسيا، تنظر بعين الاهتمام إلى هذا التقارب كجزء من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط. العلاقات الصينية الفلسطينية تتعزز في ظل دعم بكين المستمر للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، ويبدو أن الصين ترى في التعاون الروسي الفلسطيني فرصة لتعزيز موقفها في مواجهة الضغوط الأمريكية، خصوصا فيما يتعلق بالنزاعات التجارية والسياسية تحديداً في بحر الصين وما يتعلق بتايوان .

ثالثا: التحالف الروسي، الصيني، الإيراني وتأثيره على الشرق الأوسط

إيران وبغض النظر عن ما نتفق أو نختلف حوله معها وعن ما تحمله من طموح لمشروع إيراني بالمنطقة في غياب مشروع قومي عربي، إلا أنها تُعتبر حليفاً استراتيجياً لكل من روسيا والصين، وهي الآن تلعب دوراً محورياً في التحالفات التي تشكلها هذه القوى في مواجهة الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة. التحالف الروسي الصيني الإيراني يشكل قوة دفع جديدة في المنطقة، وفلسطين قد تجد في هذا التحالف دعماً لقضيتها في مواجهة التحديات الإسرائيلية والأمريكية. وقد يكون تعزيز العلاقات الفلسطينية مع روسيا والصين مؤشراً على تعزيز موقف فلسطين كجزء من ما يطلق عليه محور المقاومة في المنطقة، مما يزيد من تعقيد وإرباك المشهد السياسي في الشرق الأوسط الذي لم تعتاد عليه إسرائيل بعد اهتزاز قوة ردعها ومكانتها حول العالم.

رابعا: ردود الفعل الإسرائيلية والتداعيات المحتملة

زيارة الأخ الرئيس أبو مازن لموسكو لم تمر بدون ردود فعل إسرائيلية بل وأمريكية. إسرائيل، التي تعتبر روسيا قوة ذات نفوذ كبير في الساحة الدولية، ترى في هذا التقارب تهديداً لمصالحها، خاصة إذا ما أدى إلى تعزيز الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية. هذا التقارب قد يؤدي إلى توتر في العلاقات الروسية الإسرائيلية، خاصة إذا ما شعرت تل أبيب أن موسكو تميل أكثر لدعم الفلسطينيين في القضايا الحساسة مثل القدس والاستيطان والحدود واللاجئين. هذا التوتر قد يؤثر أيضاً على العلاقات الروسية مع دول أخرى في المنطقة، مما يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية بشكل قد لا يخدم المصالح الإسرائيلية التي تحاول الولايات المتحدة والغرب إجمالاً تأمينها لدولة الاحتلال، كما أن الولايات المتحدة ومن خلال تصريحات الناطق باسم خارجيتنا أمس أبدت عدم ارتياحها من هذه الزيارة وتطور العلاقات الثنائية الفلسطينية الروسية .

بالنهاية يمكنني القول أن التقارب الروسي الفلسطيني ليس مجرد خطوة ديبلوماسية عابرة، بل هو جزءٌ من تحولات أكبر تشهدها الساحة الدولية باتجاه التغير القادم بالنظام الدولي الذي نشاهد ارهاصاته حالياً. ففي ظل المتغيرات الجارية، قد تكون فلسطين في طريقها لتعزيز موقعها من خلال هذه التحالفات الجديدة، لكن ذلك لن يكون بدون تحديات، خاصة مع التوترات المتزايدة بين القوى الكبرى في العالم. إن ما ستؤول إليه هذه التحالفات وكيف ستؤثر على المنطقة يبقى سؤالاً مفتوحاً يحتاج لمراقبة دقيقة وتحليل مستمر وبالتأكيد ستجيب عليه الفترة الزمنية القادمة.


 

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير