الكهرباء في العراق وسوريا ولبنان
المهندس عبد الفتاح الدرادكة
في مقال للكاتب علاء الدين الكيلاني على موقع الجزيرة الالكتروني بعنوان اين تتجه ازمة الكهرباء في كل من العراق وسوريا ولبنان والذي من خلاله يسلط الضوء على الوضع الكهربائي في هذه البلدان وما آل إليه ويؤول نتيجة معضلة عدم توفر مشتقات النفط لتشغيل محطات توليد الكهرباء حيث كشفت مؤشرات حديثة لوضع الطاقة في سوريا والعراق ولبنان عن تراجع كبير في إنتاج الكهرباء، دفع المستهلكين إلى اعتماد وحدات توليد صغيرة، تنتشر اليوم في شوارع وأحياء مدن، لطالما شهد الوضع الكهربائي فيها انقطاعات مبرمجة، تصل في أحيان كثيرة إلى 20 ساعة في اليوم.
مما لا شك فيه ان سبب ذلك هو نتيجة عقود من الحروب والاضطرابات السياسية التي هوت باقتصادات هذه البلدان الهشة معززة معاناتها من التدخلات الخارجية التي ارادت لها ذلك نتيجة مواقفها السياسية والقومية.
ويبين المقال انه بناءا على تقارير رسمية فإن الاستطاعة التوليدية الحالية في سوريا تبلغ 1.8 الف ميجاوات في الوقت الذي من المفترض ان تكون سبعة آلاف ميجاوات ويعزي السبب الى انخفاض واردات الوقود الثقيل( Heavy fuel ) من 15 الف طن الى 1.2 الف طن وانخفاض الغاز من 20 مليون متر مكعب الى 8 مليون متر مكعب وكل ذلك نتيجة السيطرة الخارجية على حقول النفط الرئيسية في الحسكة ودير الزور وانخفاض كميات الغاز المستوردة من ايران نتيجة ارتفاع اسعار المحروقات العالمية.
ويشار الى انه نتيجة الاوضاع اعلاه في سوريا فإن تجارة المولدات ازدهرت في دمشق وما حولها وان سعر الكيلوواط ساعة وصل الى 15 الف ليرة سورية اي ما يعادل دولار امريكي (وتعادل ستة اضعاف الكلفة الفعلية في الاردن) ،ومن خلال دراسة قامت بها منظمة (UNDP) الاوروبية حول تاثير وصول الكهرباء على الاحتياجات الإنسانية اكدت بعض العائلات ان التزويد بالتيار الكهربائي لم يتجاوز ال 8 ساعات يوميا وفي عينة اخرى من العائلات لم يصل التزويد لاكثر من ساعتين يوميا.
واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان العراق يصدر ما يزيد على اربعة ملايين برميل نفط يوميا بينما تبلغ الاستطاعة الكهربائية المتوفرة حاليا 19 الف ميجاوات ويحتاج فعليا الى 11 الف ميجاوات اي ان استطاعة النظام الكهربائي العراقي تخطيطيا من المفترض ان تكون 30 ميجاوات للوصول الى صفر انقطاعات وان سوريا لديها ما يزيد على 350 الف برميل نفط يوميا وتبلغ الإستطاعة المتوفرة حاليا فقط 1.8 ميجاوات والمطلوب توفير ما يزيد على خمسة الاف ميجاوات لمواجهة الانقطاعات
فإنه من الظلم الفادح وعدم الانصاف ان لا يستفيد ما يزيد على الستين مليون هم مجمل سكان البلدان الثلاث والمفترض ان يكون لها سيادتها على أراضيها من مواردهم النفطية.
بناءا على ما سبق يبرز هناك سؤال اين تذهب ايرادات النفط في كل من سوريا والعراق والجواب بالتأكيد للقوى الخارجية التي اوصلت المنطقة لما هي عليه هادفة الى ان تبقي المنطقة كاملة تحت سيطرتها اقتصاديا وعسكريا حماية للكيان الصهيوني حيث ان مواقف العراق القومية السابقة وتهديده للكيان الصهيوني واقتصاد سوريا المستقل الذي اوصلها الى الاكتفاء الذاتي في ظل عدم وجود مديونية ووجود ما يكفيها من النفط وموقع لبنان وتأثيره على الصراع العربي الصهيوني وحرص الدوائر الصهيونية والغربية على ابقاء لبنان متفرقا تحكمه قوى لها اجندتها ، كل هذه الظروف مجتمعة شكلت مبررا للقوى الامبريالية للاجهاز على الفكرة النضالية وفكرة الصمود والتصدي التي كانت هذه الدول احدى رموزها .
يلاحظ من اعلاه ان هناك نقصا في انتاج الطاقة الكهربائية مقداره 11 الف ميجاوات في العراق وخمسة الاف في سوريا وثلاثة الاف في لبنان وهناك اتفاقات بينية للربط الكهربائي تم توقيعها بين الاردن وكل من العراق وسوريا ولبنان ، اما بالنسبة للعراق فإن الاتفاقية وكما اوضحت في مقالات سابقة فإنها اتفاقية تزويد توفر استطاعة لاتزيد على 120 ميجاوات (الف جيجاوات سنويا) بينما النقص في العراق 11 الف ميجاوات والمطلوب ربطا كهربائيا كاملا يدمج الشبكة الكهربائية الأردنية والعراقية للاستفادة القصوى للطرفين.
اما بالنسبة للاتفاقيات التي تم توقيعها ولم تفعل مع كل من سوريا ولبنان فمن المستغرب عدم السير بها بناءا على الحاجة الملحة في كل من سوريا ولبنان وتوفر الاستطاعة في الاردن وكذلك جاهزية الربط الذي من الممكن ان يوفر استطاعة لا تقل عن 700 ميجا واط .
وباعتقادي ان الموضوع له بعدين سياسي واقتصادي وان كان البعد السياسي يطغى والمتمثل في التأثير الايراني على سياية البلدان الثلاث من حيث عدم رغبة ايران في السماح للاردن بإن يكون له تبادل تجاري مع هذه البلدان كورقة ضغط ايرانية على الاردن للقبول بدخول ايران للاردن والتأثير على سياساتها بشكل او بأخر وكذلك لان ذلك يدخل في مجال التأثير على اعتبار ان اقتصاديات هذه البلدان تعتبر ورقة ضغط ايرانية للتحكم في سياساتها من ناحية ومن ناحية اخرى فان دخول الاردن الاسواق في هذه البلدان الشقيقة ينافس المنتوجات الايرانية وكلنا يعلم انه وقبل احتلال العراق كان الاردن بوابة للعراق وكانت المنتجات الاردنية لها نصيب الاسد في السوق العراقي ولكن وبعد الاحتلال انقلب الوضع لصالح المنتجات الايرانية وقد المح لي المعنيون في غرفة تجارة الاردن في حينه بمعانات التجار الأردنيون نتيجة الصعوبات التسويقية في العراق مقابل المنتجات الايرانية بعد 2003 .
المطلوب سياسة اردنية متوازنة تؤدي الى ايجاد ارضيات مناسبة لتعزيز التعاون مع البلدان الثلاث من خلال استغلال اعلى المستويات الدبلوماسية وقد يكون تدخل جلالة الملك ضرورة في هذه المرحلة وذلك للاحترام الكبير الذي بتمتع به جلالته عالميا واقليميا لاستغلال الفرص القائمة حاليا من حيث المساهمة بما بمكن توفيره لهذه البلدان من المقومات الاقتصادية التي تحتاجها والتي يتمتع بها الاردن نتبجة للسياسات الاقتصادية الداخلية المتوازنة وانفتاح الاردن عالميا ، وبشكل عاجل موضوع الكهرباء على ضوء توفر استطاعة لا يستهان بها خارج اوقات الذروة مما يساعد الاشقاء في البلدان الثلاث في تجاوز جزء من مشكلة النقص في التزويد بالتيار الكهربائي وكذلك تحسين معامل الحمل (Load Factor )لدى النظام الكهربائي الاردني.