التصعيد الإقليمي عبر تصدير الأزمات

{title}
أخبار الأردن -

مالك العثامنة

هي جبهة حرب مفتوحة منذ عام 2022 حين أعلن الملك نفسه تلك الحرب الدفاعية عن الحدود وصار الجيش على الجبهة وتحولت المواجهات من عمل أمني بوليسي إلى عملية عسكرية لا تتوقف وتستنزف الجهد والطاقة والمال لحماية الدولة والإقليم كله بالضرورة.


العملية الأخيرة التي كشفت عن كمية سلاح نوعي يتم تهريبها بالإضافة إلى المخدرات بأنواعها وفي ظرف استثنائي على حدودنا الغربية المستنفرة من أي حماقة إسرائيلية محتملة في ظل حكومة يمين مهووس بتصدير أزماته الداخلية، وفي محيط إقليمي مشدودة أوتاره على أقصى التوتر حتى وصل باب المندب، وإيقاع المذابح الإنسانية اليومية في غزة والتصعيد المحتمل يصبح الحديث المزاود زائدا عن الحاجة وفيضا من لزوميات ما لا يلزم.

غالبا ما تكون قضايا المخدرات وضبطها والحد من تهريبها ملفا أمنيا تتولاه الأجهزة "البوليسية" ووحدات مكافحة تابعة لها متخصصة في مواجهتها، لكن الحالة التي أعلن عنها الملك في فبراير من عام 2022 وما سبق ذلك مطلع العام نفسه، حين أعلن الجيش الأردني ببيان "لافت جدا" قراره بتغيير قواعد الاشتباك أشارت بوضوح أن ملف المخدرات الذي أصبح قضية "أمن وطني وإقليمي" لم يعد ملفا تدير المواجهات فيه قوات أمنية شرطية بل هو ملف "استراتيجي" على مستوى الإقليم، ويبدو أن المعلومات الواردة إلى الأجهزة الاستخبارية العسكرية في الأردن تفيد بحضور "استراتيجية عدائية" ممنهجة تشير أصابع الاتهام فيها على طهران التي تحاول استخدام "الإرهاب الأبيض" ويستهدف في غاياته النهائية الوصول إلى إغراق الشارع المستهدف بالمخدرات وتقويض البنى الاجتماعية عبر تدمير الشباب "المعطل والمقهور واليائس" أصلا. 
عمق الجنوب السوري حالة فوضى أمنية، ومنطقة خصبة لحضور إيراني مباشر أو عبر قوات عسكرية سورية نظامية "منفلتة عن سيطرة النظام في دمشق"، ولم يعد خافيا سيطرة طهران "المطلقة" على غالبية الجغرافيا السورية واختطافها القسري لقرارات دمشق السياسية، خصوصا بعد انشغال "الشريك الروسي في احتلال سورية" بحربه الطويلة على ما يبدو في أوكرانيا، وحضور إيران في سورية لا يخرج عن سياقها التاريخي منذ ثورة الملالي فيها بتصدير "نموذجها الثوري في الدولة الإسلامية" وقد وجدت في الخواصر الأكثر ضعفا في المشرق العربي جغرافيا مناسبة لتصدير أزماتها مع بسط السيطرة الإقليمية تحت شعارات المقاومة والصمود وتوظيف "القضية الفلسطينية" كمظلومية كاملة الأهلية تقودها طهران، وتحاول اليوم مع العدوان المجنون والمتطرف على غزة أن تخطف المشهد وتوظفه بكل ما تملك من إدارة فوضى في المنطقة.
الملف لم يعد أمنيا، فالاستهداف هنا يتجاوز كامل الدولة الأردنية إلى كامل الإقليم، ومصطلح تغيير قواعد الاشتباك، هي لهجة تخفف حدة الوصف الحقيقي للحالة: الحرب، خصوصا مع تلك الكمية من الأسلحة المضبوطة بنوعها وعددها الذي يكشف مشروع فوضى مرعب يطل برأسه من الثغور المتاحة.
وهي حرب التقطها الجيش الأردني مبكرا جدا،  بمعلومات استخبارية لا التباسات فيها، واستخبارات الجيش الأردني معروفة بانضباطيتها وتميزها عن باقي الأجهزة "الأمنية" في الأردن أنها لا تنشغل بالسياسة ومهتمة بعقيدتها العسكرية الواضحة والمحددة بحماية الحدود واستقرار مؤسسات الدولة، انتهى تراكم المعلومات المتسارع والدقيق بالجيش إلى تغيير قواعد اشتباكه نحو حرب معلنة على عدو غير معلن، حرب باسم الإقليم وبتفويض "الضرورة" الواضح لا بمزاجية القرار السياسي الملتبس. 
منذ بداياتها كانت ثورة الخميني تتبنى مبدأ "تصدير الثورة" والتي تحولت فيما بعد الحرب العراقية – الإيرانية والخسائر الفادحة إلى "تصدير أزمات داخلية" في إيران، والمفارقة ان مبدأ تصدير الأزمات إلى الخارج كان دوما سياسة نتنياهو المفضلة في كل حكوماته اليمينية التي راكمت اليمين المتطرف الذي نراه اليوم بكامل جنونه يبحث عن مخارجه من حربه الدموية المتوحشة في غزة..والضفة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير