هل "ورطت" إيران الحوثيين بحرب السفن؟
الدكتور عمر الرداد
ربما لا نبالغ في القول إنّ التصعيد الذي يشهده البحر الأحمر على خلفية الهجمات المتكررة التي تشنها جماعة الحوثي اليمنية، وتهديد التجارة عبر البحار بشن هجمات على السفن التجارية التي ترتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة بنقل بضائع وسلع إلى إسرائيل، يُعدّ الترجمة الفعلية لعنوان الحرب الإقليمية التي يُحذّر منها الجميع، وتحديداً الولايات المتحدة ومعها الغرب، مقابل إيران التي يتوقع أن تقود هذه الحرب وتحركها وتدعمها بعيداً عن أراضيها وحدودها، من خلال وكلائها في الإقليم، لا سيّما حزب الله اللبناني وفصائل وميليشيات تابعة لطهران في العراق وسوريا.
التصعيد الحوثي يشكّل هدفاً استراتيجياً للقيادة الإيرانية، ويحظى بأهمية أكبر بكثير من التصعيد "المنضبط" بين حزب الله وإسرائيل عبر الجنوب اللبناني، وهو أهمّ بكثير أيضاً من الهجمات التي تشنها ميليشيات تابعة لإيران عبر المسيّرات والصواريخ ضد قواعد أمريكية في العراق وسوريا، فمن وحدة جبهات المقاومة، ثم انتقالها إلى التضامن ثم إلى المساندة، وهي الشعارات التي طرحتها إيران تباعاً، تم إنتاج نسخة تضامن مختلفة عبر الساحة اليمنية من خلال جماعة الحوثي، بشن هجمات في البحر الأحمر ضد السفن التجارية، نتج عنه زيادة التوتر والتأثير على التجارة البحرية الدولية، عزز المخاوف من انفجار الوضع الإقليمي، وهو هدف أقرب للقيادة الإيرانية منه إلى الحوثي، ذلك أنّ إيران معنية بإرباك التجارة الدولية في مياه الخليج وبحر العرب إضافة إلى البحر الأحمر، والتي طالما أعلنت أنّ التجارة الدولية في المياه الإقليمية لن تكون آمنة، ما لم تشمل السفن والتجارة الإيرانية.
التصعيد الحوثي يشكّل هدفاً استراتيجياً للقيادة الإيرانية، ويحظى بأهمية أكبر بكثير من التصعيد "المنضبط" بين حزب الله وإسرائيل عبر الجنوب اللبناني، وهو أهمّ بكثير أيضاً من الهجمات التي تشنها ميليشياتها ضد قواعد أمريكية في العراق وسوريا
وبمرجعية الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، فإنّ القيادة الإيرانية تدرك أنّ أيّ تصعيد يشنه الحوثيون ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر سيكون مبرراً دولياً، باتجاه زيادة الضغوط على إسرائيل لوقف الحرب، ومقبولاً في أوساط الرأي العام العربي والإسلامي، لا سيّما أنّه يرتبط بالسفن التي تنقل بضائع لإسرائيل، وهي مقاربة وهدف تعمل عليه إيران بهدف كشف الحكومات والأنظمة العربية أمام شعوبها بأنّ وكلاءها يساندون القضية والشعب الفلسطيني، فمنذ بداية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة كثّف الحوثيون عملياتهم عبر هجمات بطائرات مسيّرة أو بصواريخ عبر مراحل؛ بدأت باستهداف إيلات على البحر الأحمر، وعدة قطع بحرية تابعة لفرنسا وأمريكا، وانتقلت إلى استهداف السفن التجارية التي تنقل البضائع والنفط، وترتبط مع إسرائيل أو أنّ وجهتها موانئ إسرائيلية، بالخطف أو ضربها بالصواريخ.
التصعيد الحوثي في البحر الأحمر ضد الملاحة الدولية يطرح جملة من التساؤلات التي تشكل عناوين لهذا التصعيد وتفسيره ومآلاته، فبالإضافة إلى الدور الإيراني، هناك تساؤلات حول مستقبل هذا التصعيد وكيفية مواجهته، وهل ستكتفي أمريكا بالمواجهة الميدانية لإفشال هجمات الحوثي بدون التوسع والانتقال إلى الحرب؟ وإذا كان لدى حزب الله وحماس القدرة على تصنيع الأسلحة من صواريخ وطائرات مسيّرة وغيرها من أسلحة، فإنّ شكوكاً عميقة تحيط بقدرة الحوثيين على ذلك، إذ يرجح أنّ أسلحتهم إيرانية، وربما هناك صناعات لا تتجاوز "تجميع" قطع المسيّرات والصواريخ على الأراضي اليمنية بإشراف ومشاركة من خبراء إيرانيين ومن حزب الله اللبناني، ويبدو الدور الإيراني أكثر حضوراً في هذا التصعيد، من خلال تزويد الحوثيين بمعلومات استخبارية حول السفن وأماكن انطلاقها وحمولتها وجهة وصولها، ومن المرجح أنّ الجهاز الاستخباراتي الحوثي لا يملك القدرة على معرفة انطلاق سفينة من الموانئ التركية، ومعرفة حمولتها والجهة المالكة والمشغلة لها، وهو ما يتوفر لدى الاستخبارات الإيرانية.
الصفقات السرّية بين طهران وواشنطن جعلت كل بعيد قريباً، ويطرح بصيغة تساؤل فيما إذا كانت إيران ستورط الحوثيين بحرب لا قدرة لهم على مواجهتها، سيكون الخصم فيها قوى دولية وإقليمية بقيادة أمريكا؟
المؤكد أنّ التصعيد سيبقى مرتبطاً بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو ما أكده الناطق باسم جماعة الحوثي، باشتراط توقف الهجمات على السفن، بالسماح بدخول الغذاء والدواء لأهالي قطاع غزة ووقف الحرب، وهو موقف ربما تدركه أمريكا، رغم دعواتها إلى تشكيل تحالف دولي بحري لحماية الملاحة والتجارة عبر البحر الأحمر، وهو تحالف لا شك سيكون نسخة مكررة لتحالفات تم إنشاؤها في مراحل سابقة، لمواجهة تهديدات بحرية الحرس الثوري الإيراني في مياه الخليج العربي ومضيق هرمز، إلا أنّ تحالفاً في البحر الأحمر يواجهه العديد من العقبات في سياقاته الحالية، لا سيّما من جانب دول الخليج والمملكة العربية السعودية، التي أنجزت تخفيضاً في مستوى التصعيد في الحرب مع الحوثيين، حيث تتواصل مفاوضات استمرار الهدنة، بل وبحث التوصل إلى اتفاق سلام شامل في اليمن، بالإضافة إلى أنّ أيّ مشاركة في هذا التحالف سيظهر السعودية ودول الخليج بصورة الحامية لمصالح إسرائيل في المنطقة، وهو ما لن تقدم عليه السعودية ولا دول الخليج الأخرى.
وفيما يبدو أنّه إدراك من واشنطن وعواصم أوروبية أنّ التصعيد الحوثي سيكون محدوداً، ولا يتطلب ردّاً وتصعيداً من قبلها، لأنّه سيتوقف بتوقف الحرب في غزة، ما تردد حول طلب أمريكي من إسرائيل عدم الرد على الهجمات الحوثية، وتولي واشنطن ومعها لندن وباريس التعامل مع هذا التصعيد، ومع ذلك فمن المرجح ازدياد مستوى هذا التصعيد مع ازدياد مشاهد قصف المستشفيات والمدارس في قطاع غزة، وبما يوفر للحوثيين ولإيران مفردات خطاب إعلامي ثوري ضد الغرب وأمريكا وإسرائيل، ورغم كل ذلك لا يغيب سيناريو مسكوت عنه، ربما يبدو بعيداً، لكنّ الصفقات السرّية بين طهران وواشنطن جعلت كل بعيد قريباً، ويطرح بصيغة تساؤل فيما إذا كانت إيران ستورط الحوثيين، "رغم ما يتردد حول شكوك بمستوى سيطرة طهران على الحوثيين"، بحرب لا قدرة لهم على مواجهتها، سيكون الخصم فيها قوى دولية وإقليمية بقيادة أمريكا؟.