ما حدود الخلافات بين أمريكا وإسرائيل حول الحرب في غزة؟

{title}
أخبار الأردن -

الدكتور عمر الرداد

تقدمت المجموعة العربية والإسلامية بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي، يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وإعادة الرهائن من قبل أطراف الصراع، إلا أنّ القرار حظي بموافقة أعضاء مجلس الأمن باستثناء الولايات المتحدة التي استخدمت حق النقض "الفيتو" ضد القرار، وهو ما فهم منه أنّ واشنطن ما زالت ترفض أيّ مقاربة تفضي لوقف الحرب في قطاع غزة، ويشار هنا إلى أنّها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها أمريكا الفيتو ضد مشاريع قرارات دولية تقدمت بها روسيا والبرازيل وغيرها، وبلغ عددها (5) مشاريع، تطالب بهدن وممرات إنسانية والسماح بدخول المساعدات، لا سيّما في الأسابيع الأولى من انطلاق الحرب.

الفيتو الأمريكي الأخير يؤكد أنّ واشنطن تتفق مع تل أبيب في الهدف الاستراتيجي للحرب، وهو "القضاء على حماس وإنهاء حكمها لقطاع غزة"، لكنّها تختلف مع تل أبيب في تفاصيل تتعلق بسؤال ما بعد الحرب، "أي ما بعد حماس"، والجهة التي ستحكم قطاع غزة، بالإضافة إلى قضايا أخرى تتضمن رفض واشنطن طروحات إسرائيلية حول إعادة احتلال مساحات من قطاع غزة أو إنشاء منطقة عازلة، كما ترفض التهجير القسري لسكان قطاع غزة إلى سيناء المصرية، وحجم المساعدات الإنسانية التي يسمح بدخولها لقطاع غزة، وكلها قضايا وعناوين موضع أخذ وردّ بين أمريكا وإسرائيل، ويبدو أنّ واشنطن تضغط على إسرائيل لجهة خيار إعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، بعد تجديدها وإعادة إنتاجها بصورة تستجيب لتجاوز ما تصفه إسرائيل بضعف سلطة عباس، وترفض احتلال غزة أو إقامة منطقة عازلة، وتحقق واشنطن بعض النجاحات بإقناع إسرائيل أحياناً بزيادة حجم المساعدات الدولية، بل تضغط باتجاه التقليل من وقوع خسائر مدنية، خاصة بعد احتجاجات الرأي العام الدولي ضد المجازر التي ترتكب في قطاع غزة، وتدفق صور القتل والدمار للمستشفيات والمدارس، واحتمالات حدوث مجاعات وانتشار أوبئة في قطاع غزة.

ورغم الحديث عن انتصارات عسكرية حققتها إسرائيل، إلا أنّ المقاربات الإسرائيلية ومعها الأمريكية ترى أنّ أيّ وقف للحرب حالياً يعني انتصار حماس، وهو ما يعني أنّ الأهداف الاستراتيجية لم تتحقق، لا على صعيد القضاء على حماس، ولا على حكمها، ولا إعادة الرهائن، ولا حتى تحقيق التهجير لسكان قطاع غزة، رغم أنّ القيادتين الإسرائيلية والأمريكية تمارسان حذراً في تناول موضوع التهجير، ووفقاً لمقاربات تميز بين التهجيرين القسري والطوعي، ترجمة لرهانات بأنّ ما سيتم سيكون تهجيراً طوعياً، ومن المرجح، وفقاً لتسريبات كثيرة في واشنطن وتل أبيب، فإنّه لو تمّت إعادة الرهائن بأيّ صورة، فإنّ ذلك لا يعني أن تتوقف الحرب؛ لأنّ هذه القضية تُعتبر جزئية صغيرة مقارنة مع الهدفين الآخرين؛ وهما: القضاء على حماس، والتهجير.

تدرك واشنطن أنّ تحقيق السلام في المنطقة بعد 7 أكتوبر لن يتحقق إلا بمغادرة اليمين المتطرف سدة الحكم في إسرائيل، وبعد ذلك سيكون مقبولاً في الإطارين العربي والإسلامي مناقشة مستقبل الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة

مرجح أنّ القضاء على حماس يشكّل هدفاً مركزياً لواشنطن، لأسباب تتجاوز الحرب بين إسرائيل وحماس، فتحقيق هذا الهدف، وفقاً لما تتطلع إليه واشنطن، سيكون نموذجاً يمكن تكراره مع وكلاء إيران، وربما تراهن واشنطن على "تفاهمات" جديدة مع طهران بخصوص الحوثيين وحزب الله والميليشيات التابعة لإيران في العراق، فموقف طهران مهما قيل فيه وعنه من مؤيدي تيار الممانعة أو من أعدائه، لا بدّ أن يفتح شهية واشنطن لتكرار ما سيجري في غزة، في حال إنهاء حكم حماس، خاصة إذا تم إنجاز المزيد من الصفقات السرية، مع زيادة أعداد البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية في المنطقة.

ومع ذلك، فإنّ التقاطعات تصطدم بعراقيل، من بينها أوّلاً: ضغوطات الوقت، وهو ما بدأت واشنطن تؤكد عليه بأنّه تم التوصية للقيادات الإسرائيلية بأن تتوقف الحرب بداية العام القادم، خلافاً لرغبات نتنياهو الذي يريد أن يواصل الحرب إلى ما لا نهاية، لإدراكه أنّه بمجرد توقف الحرب سيقدّم لمحاكمة ومساءلة من المرجح ستطيح به سياسياً، وثانياً: ضغوطات الرأي العام الأمريكي، بما في ذلك أوساط من الحزب الديمقراطي، وأوساط الرأي العام الأمريكي، وهو ما سيؤثر على فرص الرئيس بايدن في الانتخابات الرئاسية القادمة، وثالثاً: مواقف واشنطن تجاه مستقبل الضفة الغربية، واعتداءات اليمين الإسرائيلي المتطرف على مواطني الضفة الغربية.

لقد كان واضحاً أنّ البيت الأبيض الذي لم يكن على وفاق مع الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، ومعه اليمين الإسرائيلي المتطرف، يعيد إنتاج علاقاته مع إسرائيل بمفهوم "الوحدة والصراع"، بمعنى الوحدة الاستراتيجية بدعم إسرائيل والتناقض والصراع مع حكوماتها اليمينية، وعليه فإنّ اندفاع واشنطن للوقوف إلى جانب إسرائيل بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) كان في إطار رسالة غير مشفرة أنّ أمريكا مع الشعب الإسرائيلي وليس مع حكومته، وهو ما يدركه نتنياهو ومعه الأحزاب اليمينية المتحالفة معه، وهو ما يجعل سيناريو أن ينقلب نتنياهو  على الرئيس بايدن في حال ممارسة أيّ ضغوط لاحقة على إسرائيل لوقف الحرب، واتهامه بخسارة إسرائيل للحرب هو سيناريو وارد، برغم الدعم الأمريكي اللامحدود الذي تم تقديمه لإسرائيل؛ عسكرياً وسياسياً.

وبالتزامن، فإنّ واشنطن تدرك بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) أنّ تحقيق السلام في المنطقة لن يتحقق إلا بمغادرة اليمين الإسرائيلي المتطرف سدة الحكم في إسرائيل، وأنّه بمغادرة هذا اليمين ربما يكون مقبولاً في الإطارين العربي والإسلامي مناقشة مستقبل الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة، في إطار دولة فلسطينية، يرجح أن تكون خاضعة لمفاوضات جديدة حول شكل الدولة ومضمونها، وحدود سيادتها وسيطرتها وتشكيلات جيشها وقواتها الأمنية.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير