لولا الحسابات الأمنية المعقدة

{title}
أخبار الأردن -

ماهر أبو طير

من اللافت للانتباه أن المسجد الأقصى وما يتعرض له من أخطار لا يثير ملياري عربي ومسلم، هذا على الرغم من قدسية المسجد، وخصوصيته، فتسأل نفسك إذا كنا حقا لا نجيد سوى الثرثرة والمزاودات، أم أن بيننا من يفهم حقا الأخطار التي يتعرض لها المسجد الأقصى.

لقد قيل مئات المرات خلال السنوات الأخيرة، إن سياسة إسرائيل قائمة على فكرة التدرج، وفرض الواقع الجديد بالتقسيط، وكلما تم الوصول إلى درجة، يتم القفز إلى الدرجة التي بعدها، وهذا ما شهدناه في المسجد الأقصى، الذي كان مستحيلا اقتحامه قبل سنوات بالطريقة التي نراها اليوم، والتي أصبحت على فترتين صباحية ومسائية، وبأعداد تتزايد بشكل واضح سنويا.

إحدى الكوارث التي لحقت بملف المسجد الأقصى، تتعلق بتعريفه في الوعي السياسي لدى كثيرين بكونه مسجدا أسرى إليه النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه موجود كأمانة بين يدي الفلسطينيين وحدهم، وهم يتولون الدفاع عنه، باعتباره جزءا من قضيتهم الوطنية، وهذا الخلل أدى إلى الركون والاستسلام، وتوكيل الفلسطينيين بهذه المهمة، نيابة عن ملياري عربي ومسلم.

لكن ما هو أعمق من الكارثة، هو غياب كل القوى السياسية والإعلامية والحزبية والنقابية بين ملياري عربي ومسلم، حيث لا يثار ملف الأقصى إلا نادرا، والكل يقول لك ماذا بإمكاننا أن نفعل، وماذا بإمكان دولنا الواهنة أن تفعل أيضا، أمام ما يتعرض له المسجد الأقصى يوميا.

خلال العامين الأخيرين تعرّض المسجد الأقصى إلى أسوأ الممارسات، ومنذ رمضان عام 2021 الذي أدى إلى رد فعل قوي جدا من غزة ضد إسرائيل، لم نعد نشهد أيضا ردود فعل تناسب حجم الاعتداءات التي يتعرض لها المسجد الأقصى، ولعل الأدهى والأمر قيام إسرائيل بربط كل مناسباتها السياسية مثل ما يسمى توحيد القدس، بالحرم القدسي، ومناسباتها الدينية مثل "خراب الهيكل" بالحرم القدسي، وهذا ليس مجرد ترميز يرتبط بالسيادة، بقدر كونه تعبيرا عن مشروع إسرائيلي تتعمق حدته ضد الحرم القدسي، حتى لا نصحو في عام 2024 أو عام 2025، ونحاول أن نبرر ببراءة المساكين، ونقول إننا لم نعرف أن هذا سوف يحصل.

لقد تم التقاسم الزمني بشكل جزئي وواضح، ونحن الآن على أعتاب التقاسم المكاني، ولولا حسابات إسرائيل ومخاوفها الأمنية المعقدة، لتم الأمر منذ زمن بعيد، وبعد أيام في السابع والعشرين من الشهر الحالي، سيتعرض المسجد الأقصى إلى أكبر موجة اقتحامات في ذكرى ما يسمّى "خراب الهيكل" حيث التحشيد هذه الأيام على أشده بدعم من الجماعات الدينية الإسرائيلية، ووزراء في الحكومة، وبحماية من الجيش الإسرائيلي، والأمن وبقية المؤسسات.

إذا بقي الوضع كما هو سوف نصل إلى سيناريو التقاسم المكاني، ولا تعرف كيف ستنفذه إسرائيل، وإذا ما كانت سوف تفرضه بقانون من خلال السطو على المساحات الفارغة في الحرم القدسي، أم سيتعرض أحد المسجدين داخل الحرم إلى عمل تخريبي يؤدي إلى هدمه، مع استعداد إسرائيل مسبقا بكل مؤسساتها العسكرية لرد الفعل، ريثما تتم الخطوة بأقل الخسائر.

الأقصى مهدد جدا، ولن يكون غريبا في مرحلة ما إنهاء دور أوقاف القدس، ومحاولة فرض الإدارة الإسرائيلية على الحرم، برغم استحالة قبول ذلك دينيا من الفلسطينيين، وهذه التحذيرات لا تأتي من باب تسجيل المواقف، بقدر كونها تؤشر على وضع قائم وحساس داخل الحرم القدسي، يرتبط بعوامل ثانية، تقود كل الحرم القدسي إلى سيناريوهات مفتوحة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير