الأثرياء الصامتون و"خطة خالد بن الوليد"!

{title}
أخبار الأردن -

أحمد حمد الحسبان

ليست استهانة بجهود وزارة التنمية الاجتماعية في مكافحة التسول، بل اعتراف بأن حجم المشكلة أكبر بكثير من أن تعالج بتغيير وجهة سيارات الوزارة المخصصة لنقل مكافحي التسول بعد أن حفظ المتسولون أرقامها.

فجهود هؤلاء الجنود مشكورة، وطيبة، لكنها وبكل صراحة غير كافية، إما بسبب إخضاعها للروتين الحكومي، أو بسبب قلة الإمكانيات، وعجزها عن مواجهة التخطيط الذي يقوم به المتسولون في سبيل الكسب غير المشروع والذي تكشف عن حجم بعضه تقارير تنشر بين الحين والآخر.

بعض تلك التقارير تتحدث عن ثروة طائلة تركتها إحدى المتسولات فارقت الحياة بصمت بدده خلاف صاخب بين ورثة ظهروا فجأة، وعمارات يمتلكها متسول جرى الكشف عن بعضها بعد إلقاء القبض عليه، وسيارات أجرة يمتلكها أحدهم، ومبالغ تفوق رواتب الوزير والنائب والعين يجنيها متسولون يوميا سواء كانوا أطفالا أو بالغين يتظاهرون بالمرض أو اليتم، والفاقة، ويستدرون عطف المارة.

ويتميز هؤلاء بقدرتهم على ابتكار الأساليب لمواجهة مكافحي التسول والهروب منهم، واستغلال الثغرات القانونية للإفلات من العقوبة، في ظل عجز تشريعي رادع. ذلك أن أحدث القوانين التي يقال إنها غلظت العقوبة لم تكن رادعة بما يكفي لمعالجة الظاهرة التي زادت حدتها وأصبحت أكثر إزعاجا من قبل.

فبعكس ما أكده أحد المسؤولين في الوزارة حول اعتماد "خطة خالد بن الوليد" بتغيير ميمنة جيشه بميسرتها قد أقنع "العدو" بوصول مدد جديد، من السهل جدا تسجيل اختراقات للمتسولين بتغيير مواقعهم باستمرار، والتخفي عن أعين المكافحين، إضافة إلى ابتكار أساليب جديدة للتسول.

ففي أحدث تقرير لها حول التسول، أكدت وزارة التنمية الاجتماعية أنها ضبطت خلال فترة عيد الأضحى المبارك 389 متسولا، بينهم 235 من الأحداث و154 من البالغين. وهو رقم أعتقد أنه متواضع جدا مقارنة مع ما رصده العامة من نشاط تسولي أمام المساجد وفي الشوارع وأمام المنازل وفي مناطق ذبح الأضاحي.

ففي تلك النقاط مئات المتسولين الذين يواصلون الاستجداء، مسلحين بكم كبير من الأدعية، وقصص وروايات لها أول وليس لها آخر هدفها استدرار عواطف الناس وإقناعهم بدفع "ما تجود به النفس".

المدقق في تفاصيل التقارير التي تصدرها وزارة التنمية الاجتماعية يتوقف عند الحالة نفسها، فالأرقام التي يتم القبض عليها تبدو متواضعة جدا أمام الأرقام الفعلية للمتسولين، الذين طوروا من أساليب عملهم وبما يلامس العملية التنظيمية التي يجرمها القانون الجديد ويغلظ العقوبة على مرتكبيها.

من عمليات التطوير ما يرويه البعض من أن المتسولين في بعض النقاط المهمة يكلفون أحدهم بأعمال المراقبة وإخطار الآخرين بأن فرق المكافحة قادمة. ومنها أيضا أن بعض السيارات تقل مجموعات من المتسولات وترسلهن إلى مواقع العمل، وبخاصة أمام المساجد أيام الجمع، أو في النقاط المهمة.

كل ذلك يضع علامات استفهام حول مدى فاعلية الإجراءات التي تقوم بها الجهات المختصة، وعلى رأسها وزارة التنمية الاجتماعية، التي تتمسك بعدم الاعتراف بذلك، والتي أكد أحد مسؤوليها أن من بين إجراءاتها اعتماد "خطة

خالد بن الوليد" في مكافحة التسول، وقال آخر إن القانون الجديد الذي يشدد العقوبات على المتسولين، ويضاعفها على المكررين ومن يمارسون المهنة بشكل منظم، سيكون ناجحا في مكافحة التسول، مع أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن عدد المتسولين الذين تم ضبطهم خلال العام الماضي بلغ 13500 متسول، يرى متابعون أن من يتم القبض عليهم لا يتجاوز خمس العدد الفعلي للمتسولين، وأن الكثير ممن يتم القبض عليهم يتم إخضاعهم للكفالة والخروج من مكان الاحتجاز.

اللافت هنا أن عملية مكافحة التسول تتم وفقا لآلية ثابتة، ومحكومة بإجراءات إدارية لا تتغير إلا شكليا. فعمليات الملاحقة للمتسولين تقتصر -في أغلب الأحيان- على ساعات الدوام الرسمي، وفرق المكافحة ليست كافية للقيام بالمهام المطلوبة، لدرجة أن بعض المناطق لا تصلها المكافحة إلا نادرا جدا، وأن بعض المتسولين يتواجدون في مواقع ثابتة بشكل دوري، وبعضهم الآخر يرعبون المارة.

والمطلوب هنا أن تعيد المرجعيات المختصة النظر في آليات عملها وصولا إلى تكثيف المراقبة على مدار الساعة، بما في ذلك أيام العطل، وبأساليب مبتكرة وعدم الاكتفاء بـ"خطة خالد" التي نقر بأهميتها.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير