دفاعاً عن الأردنيين.. وعن الرئيس أيضاً
مهما تكن الانطباعات على لقاء رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، مع طلبة الجامعات في «الأردنية»، فإن فكرة التواصل والحوار، لاسيما مع الشباب، تبدو مطلوبة ووجيهة، وحين يفعلها المسؤول -أي مسؤول - يفترض أن نُرحب بها، ونطالب باستمرارها، بدل أن نواجهها بالتنمر والفجور السياسي أحيانا، او باصطياد الأخطاء وتهويلها أحيانا أخرى.
ربما أخطأ الرئيس او تسرع في بعض الإجابات، وهذا متوقع، نحن بشر نخطئ أحيانا ونصيب، كما ان النقاشات في قضايا متعددة تستوعب الاختلاف في وجهات النظر، لكن اللقاء، للإنصاف، اتسم بالصراحة، وبعث برسائل مهمة للشباب، و أجاب عن كثير من تساؤلاتهم بمنطق المسؤول الذي يريد أن يتعلم منهم، ويشاركهم همومهم وطموحاتهم، لا بمنطق من يحاول «الأستذة» عليهم.
انتقدت الرئيس سابقا في مرات عديدة، وقسوت أحيانا في النصيحة، هذا واجبي، بالطبع، ولن أتردد في القيام به، لكن هذه المرة أعتقد أن الرئيس تعرض لهجمة غير مفهومة، وأن الانتقادات التي توجهت ضده تعمدت التغطية على روح اللقاء وهدفه، وما جرى فيه من مصارحات ونقاشات، وكأنها استهدفت الدفع نحو ضرب فكرته وعدم تكراره، وبالتالي تفويت الفرصة على المجتمع أن يستمع إلى المسؤولين، ويتحاور معهم، والعكس ايضا، الأخطاء هنا واردة، لكن المهم هو فتح الابواب، وتعميق التجربة، وكسر الحواجز، وتبادل الرسائل بين الطرفين، بدل استقبالها فقط.
أعرف، تماما، ان مجتمعنا استغرق في «السوداوية»، ولم يعد قادرا على رؤية أي نقطة إيجابية، حصل ذلك نتيجة تراكم الخيبات، وغياب الإنجازات، وانقطاع التواصل، أعرف، أيضا، أن الدفاع عن أي مسؤول، ولو من باب الإنصاف، سيواجه من قبل تيار عريض من القراء بالتشكيك والرفض، وربما إطلاق تهمة النفاق، أعرف، ثالثا، ان ثمة تحولات عميقة أصابت منظومة الأخلاق في بلادنا، لدرجة ان ما نرفضه لأنفسنا من اتهامات او إساءات حين تصدر من الآخرين، نقبله ونمارسه ضدهم، وبدون رمشة من «ضمير».
مثلما نطالب المسؤولين، في إدارات الدولة، أن يكونوا نموذجا مُلهِما في الصراحة و الاستقامة، والتزام «الصح» دائما، يُفترض أن نكون، أقصد النخب الفاعلة في مجتمعنا، مُلهِمين، أيضا، في احترام اختلافاتنا، والتعامل مع بعضنا بروح السماحة والإنصاف، وقبل أن نتهم هؤلاء بالعجز، أو التقصير، أو ارتكاب الأخطاء، لا بأس (هل أقول يا ليت ) أن نعترف بأننا، أيضا، نعاني من العجز، ونقع في الأخطاء، ونصاب أحيانا بـ»الشيزوفرينيا «، ونكرر اخطاءنا، ونتمنى من الآخرين أن يتجاوزوا عنها، ولو بالصمت.
هذه المعادلة من التوازن هي أقصر طريق للتصالح مع الذات، وتبادل «الاعتذارات»، والبناء على المشتركات، ونبذ منطق الفجور بالخصومات، أو التنابذ السياسي، عكس ذلك سنظل ندور في حلبة المكاسرات، وتوزيع الاتهامات، والقطيعة التي لا تنتج سوى الإقصاء والكراهية.
من يتحمل مسؤولية ذلك؟ بصراحة، لابد أن نعترف أننا جميعا، أقصد الأردنيين، في مواقع المسؤولية أو خارجها، أخطأنا، وما نزال نصر على اخطائنا، لم نلتقط -للأسف -كثيرا من الفرص التي جاءتنا، لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا، نهدر وقتنا بالتلاوم، وتوجيه الاتهامات، و « نتفشش»ببعضنا، هذه أسوأ وصفة يمكن أن نأخذ بها للتعامل مع بلدنا، ومساعدة أنفسنا للخروج من أزماتنا، وبناء أقل ما يمكن من جسور للتفاهم، وإعادة الثقة فيما بيننا.
رجاء، هذا الطريق «الوعر «سيأخذنا إلى «وكر الضباع»، وقد حان الوقت، دفاعا عن الأردنيين، وعن الرئيس ايضا، ان نستدعي جراحاتنا العميقة، بما فيها من وجع ودم، لكي نصحو على مصلحة بلدنا، ونتوافق على مشتركات وطنية، تحررنا من العجز وتبادل التهم، ونبش الخلافات، و تأخذنا من سكة الندامة إلى سكة السلامة.