وأخيراً .. فاز "أردوغان"
حسين الرّواشدة
الآن، بوسع ( الفتى الشجاع)، أردوغان ، أن يمدَّ لسانه لكل الذين راهنوا على ( سقوطه)، فقد خرج الرجل منتصرا بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي توقَّع خصومه ان تكون لحظة للانقضاض عليه ، واشهار انكساره.
الذين راهنوا على نهاية اردوغان ، وتراجع حزب العدالة و التنمية، خسروا الجولة لثلاثة اسباب ، الاول: ان ما حققه أردوغان وحزبه من تحولات في المجالات السياسية و الاقتصادية ، ومن ترسيم جديد لعلاقة الشعب التركي مع هويته ومحيطه الإسلامي ، ومع العالم ايضا ، كانت أعمق وأكبر من كل المحاولات التي جرت لتحريض الشعب التركي ضده، أو لإقناعهم بـ(الانقلاب) عليه، فقد ارتبط أردوغان منذ عقود ( كان رئيسا لبلدية اسطنبول) في ذاكرة الاتراك بـ( الانجازات) التي حققها ،وقد جمع هنا شرعية الانجاز وشرعية الصناديق ،وهما أصدق بنظرهم من الاتهامات التي ألصقت به .
أما السبب الثاني فهو أن أغلبية الاتراك ادركوا أن(الهجمة) التي واجهها اردوغان ،لا تستهدفه فقط، بل تستهدف تركيا ( الجديدة) ، صحيح أن الذين بدأوا الهجوم كانوا من المحسوبين عليه (جماعة غولن) ناهيك عن المنشقين عنه وخصومه التقليديين، لكن الصحيح ايضا أن الهدف هو اسقاط ( مشروع) نهضة تركيا وإعادتها الى الوراء ، ويبقى السبب الثالث وهو اقتناع المتعاطفين - وحتى المتحفظين على اداء الرئيس - من اوساط ( المتدينين) الاتراك بأن البديل بعد خسارة او سقوط ( اردوغان وحزبه) سيكون الاحزاب العلمانية ( حزب الشعب الجمهوري والطاولة السداسية بزعامة كليجدار) وهذا ما وحّد اصوات هؤلاء في الصناديق التي صبت باتجاه اردوغان والعدالة والتنمية.
ما جرى - بالطبع- كان (زلزالا سياسيا )، يتجاوز في دلالاته وتداعياته وارتداداته الانتخابات التشريعية والرئاسية ، فهو بالنسبة لأردوغان ( لحظة ) حاسمة انتظرها لترسيخ (شرعيته) التي تعرضت للتجريح و التشكيك ، والاثبات لخصومه بأنهم مجرد ( لاعبين) صغار يحتاجون لمزيد من الدروس .
ومثلما كانت الانتخابات بمثابة رد قوي على ( النيران) الصديقة التي تعرض لها في الشهور الماضية ، فإنها - ايضا- كانت ردا على محاولات اقليمية ودولية للقبض على ( تركيا الجديدة) واجهاض تجربتها ونموذجها (الملهم) لكثيرين في عالمنا العربي والاسلامي،وبالتالي فإن الفوز الذي حققه اردوغان كان بمثابة الرد على النيران غير الصديقة ايضا ، خاصة فيما يتعلق بمحاصرة اي تجربة ديموقراطية في عالمنا العربي والاسلامي المحاصر بالاستبداد ، وربما تكون المخاوف التي عبرت عنها الصحف الاوروبية والامريكية عشية الانتخابات أحد المؤشرات على محاولة إفشال التجربة التركية من خلال اسقاط اردوغان ، وهي ليست مؤشرات فقط بل ( واقع) ملموس تؤكده الاحداث التي جرت في منطقتنا، حيث اصبحت الديموقراطية ممنوعة، وحيث استقلال القرار وسيادة الدول مسألة غير مرحب بها عربيا و دوليا..
إذا دققنا في صورة الحدث الانتخابي ، سنجد أن أصداءه الداخلية و الخارجية (دعك من ارتداداته القادمة) تجاوزت المسألة ( الانتخابية) المحلية الى قراءات سياسية لها علاقة بمستقبل تركيا و هويتها ونموذجها ( الاسلامي) ولها علاقة - ايضا- بما يجري في الإقليم من احداث ، ويمكن فهم ذلك من خلال ما عبرت عنه الشعوب العربية ، من احتفاء بفوز اردوغان وحزبه ، وانعكاسات ذلك داخليا ، حيث أن تركيا القوية ، كما قال اردوغان ، ستبدأ مرحلة جديدة من النهوض ، بمعنى أن هذه الانتخابات حددت اتجاه الدولة التركية و حسمت خياراتها .
أما انعكاساتها الخارجية فتصب في اتجاهين : احدهما يمنح تركيا مزيدا من الادوار المؤثرة في الاقليم ،وهذا يجعل الشعوب العربية التي احبطها ما تعرضت له تحولات ، ومن محاولات اجهاض ، اكثر تفاؤلا وأملا بتركيا التي حافظت على مشروعها وشرعية الحكم فيها ، واتجاه آخر يعكس مخاوف بعض الحكومات والدول من (تمدد) النفوذ التركي ومن ( عناد) اردوغان ايضا، خاصة بعد ان توجته الانتخابات زعيما لخمس سنوات قادمة .