لماذا دعت القمة زيلنسكي؟
ظن البعض أن دعوة القمة العربية في جدة للرئيس الأوكراني زيلنسكي لالقاء كلمة معناه أن القمة ودولها تقف مع أوكرانيا ضد روسيا. هذا الكلام غير صحيح، فالرئيس الروسي بوتين تمت دعوته أيضا، ولكنه اكتفى بإرسال رسالة للقمة تمت تلاوتها. القمة دأبت على دعوة شخصيات سياسية أو أممية لكي تخاطب مجلس القمة بأجندات تهم الطرفين، في محاولة لاستمالة الدول العربية واقناعها بأمر سياسي ما، وتقديرا للقمة والجامعة والدول المستضيفة، فالقمة ما تزال منبرا سياسيا مهما، وما حدث في جدة يدلل أن قوة الدفع السياسي العربي ما تزال موجودة إذا ما رغبت الدول المفتاحية استحضارها.
الموقف العربي بالمجمل اتسم بالعقلانية في النزاع الروسي الأوكراني، وكان لافتا في كلمة الدولة المستضيفة السعودية الدعوة لوقف الحرب دون القول أو الاصطفاف مع أي طرف. معظم الدول العربية، باستثناء سورية والجزائر، كانت ضد احتلال أرض الغير بالقوة، وكان الأردن الأوضح والأجرأ في هذا الطرح، كيف لا وهذا المبدأ في العلاقات الدولية (عدم احتلال أرض الغير بالقوة) هو الأساس الذي تستند عليه المواقف في النزاع مع إسرائيل، التي تحتل أرض الفلسطينيين بالقوة. لا يمكن لنا في الأردن أن نقف مع أخذ أرض الغير بالقوة، حتى لو كانت روسيا القوية التي نرى أن لها دورا إيجابيا في استقرار سورية وجنوبها بالتحديد، وقد قال ذلك الملك ذاته في زيارته لألمانيا بالتزامن مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية.
الأمر لكن يصبح أكثر تعقيدا عندما نناقش مبدأ "حق تقرير المصير" والذي هو أيضا مبدأ مهم في العلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الأولى ومبادئ ويلسون. فسكان الأراضي التي احتلتها وضمتها روسيا من أوكرانيا يبدو أنهم يرغبون بأن يكونوا جزءا من روسيا وليس أوكرانيا لأسباب تاريخية عميقة، وهذا الاستنتاج لا يستند للاستفتاء الذي قامت به روسيا هناك بقدر ما أنه تقييم يكاد يجمع عليه الجميع. حق تقرير المصير مبدأ دولي معقد لا يعرف أين يجب أن ترتسم حدوده، في حال السودان مثلا ذهب نصف البلد للاستقلال بسبب رغبة سكانه الانفصال وتكوين دولة بذاتهم عملا بحق تقرير المصير، ولكن في اقاليم صينية وآسيوية وإفريقية أخرى لم يحدث هذا وتم قمع أو إيقاف الرغبات بالانفصال والاستقلال. الحالة الكردية مهمة في الشرق الأوسط، فرغم رغبة الأكراد بالدولة والانفصال، لم يستطيعوا للآن ذلك لان كافة الدول التي يعيشون بها لا ترغب بذلك، ولا تريد أن يكون لهم دولة، والنتيجة حكم ذاتي كردي مستقل إلى حدود بعيدة.
حكيم الموقف الأردني والعربي في مقاربته للأزمة الأوكرانية، يستند لمبدأ مهم لنا في الشرق الاوسط نعتبره الأساس في مقاربتنا الدولية مع إسرائيل، وهو عدم جواز احتلال أرض الغير بالقوة، وعليه نطالب إسرائيل بالانسحاب لكي يتمكن الفلسطينيون (الذين لا تعتبرهم إسرائيل جزءا منها كما أوكرانيا مع اقاليمها التي ضمتها روسيا) من إقامة دولتهم على أرضهم وأن يقرروا مصيرهم كسائر شعوب الأرض.