"أوعه يعَلِّم عليك"..
محمود الدباس
من خلال الكثير من المشاهدات والمواضيع التي اتابعها.. اجد في تحليلها عوامل مشتركة.. ولكن ما لفت انتباهي هو شيء قد يكون بسيط.. الا انه بالغ الاهمية والاثر.. وذلك لانه ارتبط بتركيبتنا التربوية والاخلاقية منذ الصغر..
فان لم يكن جميعنا.. فاغلبنا تربى على مبدأ "اوعه حد يعَلِّم عليك".. اكان فعلا او قولا.. ومن هذا المنطلق اجد اننا تربينا على مبدأ تعظيم "الانا" المقيت.. فلا يمكن ان اقبل ان يسبقني احد في اي امر.. حتى لو اضطررت لاستخدم كل طرق الغش والتدليس.. ولا يمكن ان اسمح لاحد ان يكون رايه اقوى من رأيي.. حتى لو كلفني ذلك اخذ رأيه وفبركته واعادة صياغته ومن ثم نسبه لنفسي..
عندما نتحدث عن ادارة المؤسسات الرسمية.. اجد ان هذا المبدأ تتم ترجمته بشكل واضح.. فكل مسؤول يطلب من موظفيه الذين تتداخل اعمالهم مع مؤسسات اخرى.. اياك انهم يعَلموا عليك.. بدي اياك انت تكون صاحب الموقف.. وصاحب الكلمة.. وتتصدر الجميع.. ولا يهمه إن تأثر الامر كله سلبيا.. المهم ان تكون دائرته او مؤسسته هي صاحبة السبق.. ومن ثم اخذ زمام الموقف.. حتى وان كان هناك جهة هي الأَولى وصاحبة الاختصاص الاصيل في ذلك..
وان ربطنا هذا الامر بتعدد المرجعيات في الكثير من القطاعات.. اجد ان عشقنا لهذا المبدأ "اوعه حد يعَلِّم عليك" هو اساسها.. فكل مؤسسة تسعى بكل ما لديها من نفوذ وصلاحيات لجعل اي امر مشترك.. ان يكون لها فيه اليد الطولى.. ضاربين بعرض الحائط اي شيء.. حتى لو ترتب على ذلك انشاء مديريات او هيئات او مؤسسات مشابهة لما تقوم به..
فتجد قوانين سُنَّت لشرعنة ما يرغب فيه هذا المسؤول ومؤسسته ذات السلطة او القوة.. وبعد ان يذهب كما ذهب اقرانه.. تجد ان هناك تعدد في المرجعيات.. وتداخل في الصلاحيات يثقل كاهل الدولة.. وإن ارادت الدولة تعديل الامر.. ستجد نفسها في مطب التعديلات التشريعية التي تقف عاجزة في احيان كثيرة لاعادة الامور الى نصابها.. ووضعها السليم..
في الختام.. ارجو الله ان يُنسي ابناءنا والاجيال القادمة المغزى السيء من هذا الامر.. وان تكون مصلحة الاردن هي العليا.. والاولوية الاولى.. وان يُذهب من نفوسهم تعظيم الانا الانانية.. ويُعظم فيهم روح العمل الجماعي التكاملي الفعال..