نظام عربي جديد..؟!

{title}
أخبار الأردن -

علاء الدين أبو زينة

يتحدث الجميع في المناخ الدولي الحالي عن اتجاهات إلى تكوين «نظام عالمي جديد» متعدد الأقطاب، يُعاد فيه ترتيب النفوذ والاصطفافات والمصالح. وكما تبين، لم يكن «النظام الدولي القائم على القواعد» الذي حكم العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية صالحًا بما يكفي لجعل العالم سلميًا وعادلًا. كان الأقوياء هم الذين يضعون «القواعد» ويعرفونها على طريقتهم. وكان العرب خاسرين دائمين في هذا «النظام».

الآن، تتيح الحركة التكتونية في توازنات القوة العالمية للعرب فرصة تاريخية حقًا لإعادة التموضع في مكان أكثر ملاءمة في الترتيب الجديد. وهم مؤهلون: ثمة الإمكانيات المادية والبشرية، والجغرافيا والتاريخ، وتوق المواطنين العرب إلى تغيير الحال. وهم محتاجون بيأس إلتغيير: ثمة الإمكانيات المعطلة، والهزائم، والتمزق العمودي والأفقي، والهوان أمام الجيران والأباعد، والصَّغار أمام الإملاءات والاستئساد.

مثل كل الآخرين، ليس للعرب إلا أنفسهم للنجاة معا في عالم مضطرب شديد التنافس. في كل مكان تنشأ التكتلات الاقتصادية والاتحادات السياسية والأحلاف العسكرية. وتدرك حتى أعتى الدول أنها لا تستطيع الملاحة في العالم وحيدة فتبحث عن أي مشتركات. وربما، ربما يكون القادة العرب قد أدركوا أخيرًا أن بإمكانهم الاستثمار في كتلتهم الممكنة لما فيه مصلحة شعوبهم وأنفسهم، لأنهم لا يمكن سوى أن يكونوا في مركب واحد –تمامًا كما يراهم الآخرون.

سوف يقرأ المتفائلون في القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في جدة أول من أمس، ومقدماتها، اتجاهاً إلى تكوين «نظام عربي جديد». وكانت الرسائل التي أرسلتها القمة في هذا الاتجاه إيجابية –فقط إذا تمت متابعتها وعدم وضعها على الرف لتجمع الغبار.

أولًا: استعادت القمة العربية مركزية القضية الفلسطينية كمسألة إجماع ذات بعد استراتيجي لا يمكن إنكاره. أكد القادة على أن بقاء القضية الفلسطينية من دون حل عادل (بغض النظر عن تعريفات العدالة في هذه القضية)، فإن المنطقة لن تهدأ ولن تشهد استقرارا. ويشير هذا ضمنا إلى أن التطبيع مع العدو يشجعه على المضي قدمًا بما يفعل، مع الانطباع بأن العرب يقبلون بهيمنته التي يرفضها عليهم رعاته وضد رغبات شعوبهم ومصالحهم. وهي وصفة مثالية لعدم الاستقرار، كما أعلن القادة.

ثانيًا: كانت استعادة سورية إلى عمقها العربي، والاتجاه نحو حل المشكلة اليمنية، استحقاقات متأخرة كلفت المنطقة ما لا يحصى من المال والأمن والدم والدموع. وللأسف، تشكلت قناعة بإعادة الأمور إلى المربع الأول بعد كل هذه المتاعب التي كان بالإمكان تجنبها بقليل من الحكمة. وفي الحقيقة، لا شيء يمكن أن يعوض الدمار الذي لحق بالكيان العربي ككل جراء تدمير مقدرات سورية، واليمن، والعراق، وليبيا، والآن السودان، بفعل اصطفافات العرب واختيار التأجيج على حساب المصالحة (التي أصبحت الاختبار المعلن الآن) في كل هذه الديار العزيزة. ولعل هناك أدراكًا متأخرًا بأن أحدًا لم يكسب على الإطلاق من هذه الصراعات سوى أعداء العرب.

ثالثًا: ثمة الثناء على اتجاه المصالحة المهمة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية. كان هذا العداء سببا في تشتيت الانتباه وهدر الموارد العربية –والأرواح أحياناً- على صراع غير مبرر ولا مفيد. لا منطق في عنونة صراع إقليمي على أساس طائفي في العقيدة الجامعة نفسها بينما يجري التحالف مع نقيض أيديولوجي وعدو واضح بلا أي مشتركات، بذريعة التنافس الطائفي. وكما تبين، ليست مسألة التفاهم الذي للجميع مصلحة فيه مع إيران –وتركيا أيضًا- صعبة كما أشيع. للجميع مصلحة في طي الخلاف وتأمين الجوار.

رابعًا: بدا من نغمة القمة أن القادة العرب لم يعودوا ميالين إلى الالتحاق بالمراكز العالمية المتنافسة على أساس التبعية. ويبدو أنهم مستعدون للتعاون مع كل من لديهم مصلحة في التعامل معه. وينبغي أن يخدم ذلك –إذا تحقق- هدف استعادة الاحترام للعرب ككتلة يجري التعامل معها كنظير تتم استمالته بغير الإخضاع والتخويف. ولا ينقص لتحقيق ذلك سوى الإرادة المخلصة، وحل المشاكل العربية عربيًا بلا تدخلات، وتسخير الإمكانيات العربية للنهوض بالجميع.

ثمة أمل في أن يستعير العرب فكرة «صفر مشاكل» مع الجيران ومع بعضهم البعض، من دون التفريط بالغايات العربية الاستراتيجية وعدم القبول بهيمنة الآخرين. وفي الحقيقة، ستكون القوة التي ينتجها التضامن كفيلة بجعل الآخرين يتجنبون المشاكل مع العرب، على أساس أنها ستكون رهانا خاسرا. والأمل أن يتمكن العرب من إعداد وتنفيذ تصور للتكامل الاقتصادي والجغرافي، وربما التحالف العسكري لحماية الأمن العربي –بطبيعة الحال من دون العدو الصهيوني الذي لا شيء يبرر التحالف معه.

يبقى أن نشهد تحققا لما تعد به القمة الأخيرة من آمال باستعادة الأمة العربية كرامتها وموقعها المستحق بين الأمم، على أساس تطلعات شعوبها ورغباتهم، وهو ما ستكشف عنه الأيام فحسب.

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير