الاقتصاد الدائري موارد أكثر استدامة
م. حمزة العلياني
تحقيق الاستدامة مسؤولية جماعية تتطلب التعاون بين مختلف أطراف النظام الإيكولوجي لمواجهة التحديات البيئية. ولا بديل عن نهج التعاون المشترك بين القطاعين العام والخاص لتحقيق طموحات الاستدامة المنشودة لمستقبل الأردن، خصوصاً في الطاقة، والمياه، والأمن الغذائي، وتقنية المعلومات الداعمة للتحول الرقمي، بما يؤدى إلى تحسين كفاءة وإنتاجية المواد، وخلق فرص العمل، والتحول نحو التنمية الاقتصادية منخفضة الكربون على مستوى جميع القطاعات التنموية.
في ظل الحديث عن تحديات تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي تبرز أهمية الاقتصاد الدائري، حيث يعتبر الأسلوب الذي نتبعه بالإنتاج والاستهلاك سببًا رئيسا في تعميق هذه التحديات، ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن استخراج الموارد عالميًا تضاعف أكثر من ثلاث مرات منذ 1970، كما أنه لا يعاد استخدام أكثر من 90 % من المواد الخام المستخدمة. حيث إن 45 % من انبعاثات الغازات الدفيئة تنتج عن الطريقة التي نصنع ونستخدم بها المنتجات والمواد الغذائية، في حين أن 90 % من فقدان التنوع البيولوجي نتيجة استخراج الموارد الطبيعية ومعالجتها.
كذلك يذهب ثلث الطعام المعد للاستهلاك البشري إلى التعفن أو الهدر، في الخمس عشرة سنة الأخيرة تضاعف إنتاج الملابس في حين أننا أصبحنا نرتديها نصف المدة المعتادة، من بين كل 100 مليار طن من الموارد التي تتدفق في الاقتصاد سنويًا، 60 % منها ينتهي المطاف بها كانبعاثات أو نفايات من غازات الاحتباس الحراري. وكذلك تبلغ كمية المواد البلاستيكية التي تُرمى بعد استخدامها لمرة واحدة 95 في المائة من مجمل كمية البلاستيك المنتجة عالمياً، مما يعني خسائر مالية تتراوح بين 80 و120 مليار دولار في السنة، بغض النظر عن العوامل السلبية الأخرى لاستهلاك البلاستيك بشكل غير عقلاني.
إن تبني النمط الخطي في الإنتاج والاستهلاك (الاستخراج، فالتصنيع، فالاستخدام، فالتخلص) أدى إلى استغلال الموارد الطبيعية على حساب قدرة النظم الإيكولوجية على التعافي، وتسبب بآثار ضارة على المستويات المحلية والعالمية كافة. على سبيل المثال، تقدّر التكاليف الصحية المرتبطة بتلوث الهواء بأكثر من 5 تريليونات دولار سنوياً، مع نحو 8 إلى 9 ملايين وفاة يمكن تجنبها في جميع أنحاء العالم سنوياً.
وفي المقابل، تقارب نسبة المواد التي يعاد تدويرها حالياً نحو 10 في المائة من وزن المواد الأولية المستهلكة. وهذا يشير إلى التضخم الكبير في استهلاك الموارد، وكذلك إلى الفجوة الواسعة التي يمكن ردمها لترشيد الاستهلاك من خلال زيادة التدوير. فمثلا تمتلك ألمانيا معدل إعادة تدوير مرتفع يبلغ
67.6 ٪ للنفايات المنزلية وحوالي
70 ٪ للنفايات الصناعية والتجارية. حيث شكلت إدارة النفايات في ألمانيا حجم مبيعات سنويا يبلغ حوالي 70 مليار يورو مع أكثر من 15500 منشأة لإدارة النفايات.
الاقتصاد الدائري أصبح اليوم نموذجا اقتصاديا متميزا ومبتكرا، حيث تعقد عليه الآمال في القضاء على مساوئ الاقتصاد الخطي السائد، إذ يحمل في طياته استعمالاً منظماً للموارد يراعي التغيرات المناخية والبيئية، ويعمل على توفير نمو اقتصادي ويخفض من مستويات التلوث والاحتباس الحراري في العالم، ويؤمن للأجيال القادمة حياة أكثر استدامة وسلامة، وبالتالي فهذا المفهوم يلبي حاجة العالم إلى مقاربة مختلفة للاقتصاد تأخذ في الاعتبار الواقع الاجتماعي، وتأمين استدامة الموارد والتوعية على أنماط الاستهلاك السليم للتقليل من إنتاج النفايات، لذلك توقع البرلمان الأوروبي أن يساهم الاقتصاد الدائري في زيادة النمو الاقتصادي 0.5 % إضافية على الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.
وأصبحت هذه الإجراءات أمثلة لما يعرف (3R) التي تعني الإقلال وإعادة الاستخدام والتدوير، وهي أساس التصنيع والاستهلاك الأخضرين. ومع ذلك، توسع التركيز خلال العقد الماضي من التصنيع (الأخضر) إلى التصنيع (المستدام)، فظهرت فكرة (6 R) التي تتضمن إضافة لما سبق الاسترداد (دورة حياة لاحقة)، وإعادة التصميم (جيل تالٍ من المنتجات)، وإعادة التصنيع (استعادة المنتج بشكل جديد). يعمل الاقتصادُ الدائري على حفظ أمن الموارد، حيث أصبحت أصولًا يتوجب الحفاظ عليها، بدلًا من الاستمرار في استهلاكها.
رؤية التحديث الاقتصادي وخريطة الطريق المتصلة بها، أكدت تفعيل القوانين والتشريعات التي تراعي مبادئ الاقتصاد الدائري في عمليات الإنتاج والتصنيع، وتعزّز التنسيق والاتساق بين السياسات عبر القطاعات، من خلال تبني الاستدامة في النمو الاقتصادي، وبالتالي يجب توجيه الاستثمارات في المشاريع الأكثر حفاظًا على البيئة (التقنيات، والبنية التحتية، والمنتجات)، وإطلاق حلول ريادية ومبتكرة، وتعزيز القدرة التنافسية التصديرية للأردن، وذلك سينعكس على إيجاد وظائف عالية الجودة ومستدامة للمستقبل، ويحقق طموحات المملكة إلى أن تُصبح دولة منخفضة الانبعاثات الكربونية، فعّالة في استغلال الموارد، شاملة اجتماعيًّا، ومركزًا إقليميًّا لريادة الأعمال الصديقة للبيئة والابتكار.