“السطر الممحي بين الناس”!

{title}
أخبار الأردن -

إبراهيم جابر إبراهيم

زمان، كنّا نحبّ “ابنة الجيران” التي يكتنفها الغموض، والأسئلة، ما لون شعرها حين تخلع غطاء الرأس؟ ماذا تأكل على الإفطار؟ ما لون مخدّتها حين تنام؟ كيف تضحك حين تضحك؟
وكنا نتهيَّب من اسم “نجيب محفوظ” على غلاف الرواية، ونتساءل هل يتحدث مثلنا؟ هل يلبس بيجاما ويطفئ الضوء حين ينام؟ هل له شقيقات يمازحنه ويحردن عليه؟ هل يشرب الشاي حلواً وهل يصيبه الرشح كما يصيبنا؟
وحين نشاهد وردة وبليغ في أغنية “العيون السود”، يجلسان على كنبتين متلاصقتين، هي تدندن وهو يعزف على العود، نروح نسأل: هل يغني لها في البيت كما يغني لها في التلفزيون؟ هل عادا للبيت معاً؟ هل اشتريا الخضار في ذلك اليوم كأي زوجين؟
وحين نرى كلينت استود على الحصان يقتل خمسة أشخاص شريرين برصاصة واحدة، نتساءل: هل يحمل الممثلون أسلحتهم وخيلهم معهم الى البيت؟
هل تقضي زوجة عادل إمام نهارها كلّه تضحك؟ وهل ستظلّ سعاد حسني جميلة الى الأبد؟
لكننا صحونا صباح أحد أيام الثلاثاء، وقد حلّت الكارثة! فقد اخترعوا “وسائل التواصل الاجتماعي”، ولم يعد يخفى على الناس شيء!
ابنة الجيران” التي كان يكتنفها الغموض نشرت كل صورها على “الفيسبوك”، وهي تأكل، وهي تضحك، وهي تصبغ شعرها، وهي ترضع طفلها، وهي تطبخ لزوجها، وكذلك نشرت عائلة نجيب محفوظ كل أسراره، وصرنا نعرف أنه كان يبدأ نهاره بكأس “شاي بلبن” مع قطعتي “بقسماط”.
ورحلت وردة وبليغ، ولكن جاءت شيرين وفضحت كل أسرار البيت، وصارت حياة الفنانين تبث على الهواء مباشرة، ولا أحد يخفي عنّا شيئاً، حتى أن شيرين تطلَّقت ثم عادت ثم تطلَّقت ثم عادت ثم تطلَّقت.. ولكن بمعرفتنا!
وكذلك فعل جوني ديب، ففتح أبواب هوليوود كلها، بل إنَّه أخذنا معه الى جلسات المحاكم هو وآمبر هيرد، وكادا -كلاهما- أن يأخذا رأينا في كل تفاصيل الطلاق وحضانة الأولاد.
لم يعد يخفى على الناس شيء.
حتى زيلينسكي يفكر في الحرب بصوت عال، ونعرف متى نام مهموماً، ومتى نام يخطط لاغتيال “بوتين”.
بل إن “ترامب” المسكين ذهبت “تويتر” و”فيسبوك” تبحثان و”تبحبشان” في مغامراته القديمة وتعلنان فضائحه على الناس بعد أن داراها ثلاثين سنة!
هكذا لم يعد بين الناس سِترٌ مُغطّى، وصارت الحياة “اشتراكية جداً”، ولكن ليس لها معنى ولا نكهة، اختفت الإثارة الجميلة، والتساؤلات المحمومة، وصارت “ابنة الجيران” غلافاً للمجلات!
كان اسم “الأمين العام للحزب” يثير الذعر، وكلمة “فصائل المقاومة” تجلب الشبهة لمن يقولها أو حتى يسمعها، كان “مظفر النواب” ينام قلقاً داخل شريط كاسيت مخبأ بعناية بين “اللحافات” و”الفرشات”، وكنا نصدّق أن إذاعة أحمد جبريل “ستحرّر الأرض والإنسان”!!
..

كان الغموض جميلاً، ومثيراً، ويعطي معنى وقيمة لكل شيء.
الآن لم يعد بإمكان “شيرين” أن تخفي شيئاً.

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير