26 حزبا سياسيا: وماذا بعد؟
قد نختلف في تقييم التجربة الحزبية بنسختها الجديدة المستندة إلى قانون الأحزاب الجديد، وثوابت الإصلاح السياسي، لكننا لا نملك إلا أن نحترم ما حدث، ونتمنى أن تعمل جميع الأطراف على تطوير التجربة وصولا إلى حالة فيها من النضج ما يكفي لأن تنهض بالحالة السياسية وصولا إلى الأهداف التي تضمنتها تشريعات الإصلاح السياسي وعلى رأسها الحكومات البرلمانية.
فما حدث حتى الآن كان مهما جدا، سواء على مستوى عدد الأحزاب التي تستطيع ممارسة نشاطاتها الحزبية والإعلان عن نفسها وبرامجها، أو من حيث مكونات هذه الأحزاب من طاقات شبابية و” جندرية”.
فالأرقام تشير إلى أن عدد الأحزاب التي استكملت كافة متطلبات تأسيسها بلغ 26 حزبا، وعدد المنتسبين الجدد 40 ألفا. وعدد التي لم تستكمل متطلبات توفيق أوضاعها 19 حزبا. وأن نسبة الإناث في الأحزاب مستكملة التأسيس بلغت 40,3 بالمائة، ونسبة الذكور 59,68 بالمائة، ونسبة الشباب من بين المنتسبين للأحزاب 38,4 بالمائة، وعدد الإناث من فئة الشباب العمرية أقل من 35 عاما بلغت 15,8 بالمائة، وعدد المنتسبين للأحزاب من الأعمار بين 18 و22 عاما 9,6 بالمائة. فكل تلك المعطيات جميلة ومهمة، لكنها قد لا تعني الكثير ما لم تنهض مؤسسات الدولة إلى توفير كافة عناصر النجاح والتفعيل لكل تلك الطاقات وصولا إلى النجاح المأمول.
بالطبع، من المبكر الجزم بأن عدد الأحزاب المسجلة رسميا سيتوقف عند حدود 26 حزبا، فبعض الأحزاب أعلنت أنها ستلجأ إلى القضاء للطعن ببعض إجراءات الهيئة المستقلة للانتخاب. بينما يبقى الباب مفتوحا بحسب القانون لتأسيس أحزاب جديدة والنظر بها وفقا لمتطلبات التأسيس. وهناك توجهات من قبل البعض للتقدم بطلبات تأسيس أحزاب جديدة قد يكون مؤسسوها من أعضاء أحزاب كانت قائمة لكنها لم تفلح في توفير المتطلبات القانونية.
وهناك أشخاص من خارج الدائرة الحزبية التي كانت قائمة يفكرون بدخول المعترك الحزبي بتأسيس أحزاب جديدة. ما يعني أن حالة نشاط حزبي قد انطلقت.
بالطبع لا يعني ذلك عدم وجود تحفظات على الحالة ككل، أو على بعض إجراءات الهيئة المستقلة للانتخاب، وبخاصة في المجالات الخاضعة للاجتهاد. ومنها مكان عقد المؤتمر العام، وما إذا كان شرطا عقده في العاصمة عمان أو في أي مكان آخر.
غير أن كل العملية تبقى مضمونة ما دامت خاضعة لحكم القضاء في حال تقدم أي طرف متضرر بشكوى في هذا الخصوص.
ما حدث حتى الآن كان مهما جدا، لكننا ما زلنا في بداية الطريق، وما زال الإحساس العام بأن أطراف المعادلة تتعامل أحيانا بقدر من التوتر تحت مسميات متعددة. الأمر الذي يعطي انطباعا بوجود خصومة غير معلنة بين الطرفين مع أن الأصل هو التكامل، وأن الجميع يعملون للمصلحة الوطنية العليا.
بعد آخر لا بد من التأكيد عليه، ويتمثل بأن وصول الأحزاب إلى مرحلة استكمال الترخيص ومباشرة العمل لا يعني أن الحالة الحزبية أصبحت منتجة. فما زالت الأحزاب في بداية الطريق وأمامها الكثير من تطوير الذات وصولا إلى ما هو مطلوب منها. والعملية ككل بحاجة إلى تضافر كافة الجهود من أجل إنجاح التجربة.
والمهم هنا تأهيل القائمين على التجربة الحزبية ليكونوا قادرين على تطوير واقعهم، وصولا إلى حالة حزبية أردنية تستفيد من تجارب الآخرين، وتستجيب للواقع الأردني بكل تفاصيله ومتطلباته. والمسؤولية في ذلك تقع على كاهل كافة الأطراف. بدءا من الحزب وأعضائه وكوادره، وانتهاء بالجهات الرسمية المعنية بإنجاح وتطوير التجربة وإنضاجها.