الأحزاب والعودة إلى نقطة الصفر
مع قرب انتهاء المهلة المحددة أمام الأحزاب لتوفيق أوضاعها وفقا للقانون الجديد الذي نشر في الجريدة الرسمية في شهر أيار من العام الماضي، أصبحت الصورة الحزبية أكثر وضوحا من أي وقت مضى. فالغالبية العظمى من الأحزاب التي كانت قائمة لم تفلح في توفير متطلبات التوفيق وأصبحت مهددة بالزوال. والأحزاب الجديدة واجهت صعوبات كبيرة في توفير تلك المتطلبات. بينما الأحزاب التي لجأت للدمج لم تكن بأحسن من غيرها فيما يخص المشهد النهائي الذي يراه متابعون بأنه حراك ضمن دائرة ضيقة، وأن نتائجه المنتظرة لن تكون ميسرة إلى الحد الذي يمكن أن تشكل نقلة نوعية كتلك التي يتحدث عنها بعض السياسيين.
فأكثر من ثلاثين حزبا فقدت الأمل في البقاء ضمن دائرة العمل الحزبي، وقرابة العشرة أحزاب فقط استكملت المتطلبات، وما تبقى من القائمة تحاول جاهدة استكمال ما هو مطلوب منها قانونيا حتى وإن كان البدء من نقطة الصفر، والتقدم بطلب جديد في وقت لاحق في حال نجحت في توفير متطلبات التأسيس.
فمع منتصف شهر أيار الحالي تنتهي المهلة المحددة أمام الأحزاب لقوننة أوضاعها بتوفير المتطلبات التي حددها قانون الأحزاب السياسية الجديد ومنها أن لا يقل عدد الأعضاء المؤسسين للحزب، عند انعقاد مؤتمره التأسيسي عن ألف شخص، يمثلون ست محافظات، وأن لا تقل نسبة الشباب والمرأة عن 20 في المائة، وأن يكون أحد المؤسسين- على الأقل- من الأشخاص ذوي الإعاقة. وبحضور وجاهي في المؤتمر لا يقل عن أغلبية المؤسسين. وهناك العديد من الضوابط التي نص عليها القانون الجديد، وغالبيتها تركز على توسيع القواعد الحزبية، وزيادة عدد أعضاء الحزب.
وهناك أنظمة صادرة بموجب ذلك القانون وعلى رأسها نظام تمويل الأحزاب، والذي يعتقد حزبيون أنه كان كافيا لتحقيق الحالة الحزبية المنشودة، وبخاصة من حيث العدد. فلا يستطيع الحزب أن يحصل على التمويل ما لم يشارك في الانتخاب، ويتخطى نسبة الحسم، ويحقق فوزا في بعض المقاعد، وفي ذلك ما يكفي لإخراج الأحزاب الضعيفة من السباق، وإفساح المجال داخل الحلبة للأحزاب القوية، مع تشجيع العامة على الانخراط في العمل الحزبي.
فالصورة الأولية تؤشر على انخفاض عدد الأحزاب المستكملة للشروط سواء من خلال الاندماج، أو التشكيل الجديد، أو تلك التي كانت لديها القدرة على استقطاب أعضاء جدد وتوفير المتطلبات القانونية كاملة من عشرات الأحزاب إلى حدود العشرة أحزاب فقط. والصورة ذاتها تؤكد أن المنتمين للأحزاب الجديدة لا يزيد عددهم على 12 ألف شخص، يشكلون نفس العدد التقريبي للخارجين من الدائرة بإلغاء أحزابهم.
تلك الحالة يراها معنيون بأنها مؤشر على نجاح القانون في الوصول إلى حالة منضبطة من حيث العدد، ويتوقعون بأن ينعكس ذلك على الواقع الحزبي الذي رسم القانون شكله وحدوده وصولا إلى توقعات بحالة حزبية نشطة تدفع نحو البرلمان الحزبي.
بينما يراها آخرون أنها كانت ذات تأثير سلبي على النشاط الحزبي المتواضع، وأنها دفعت بآلاف الحزبيين إلى خارج الدائرة مع أن نظام التمويل وشرط العتبة كانا كافيين لضبط الحالة وتقليص عدد الأحزاب ولكن بشكل تدريجي، وبما يمكن الحزبيين من الوصول إلى صيغ تضمن انخراطهم في أحزاب أخرى، أو تطوير هياكل أحزابهم وبرامجها تدريجيا وبما يرفع العدد الإجمالي للحزبيين بدلا من تخفيض أعدادهم.
الفلسفة التي تطرح في هذا السياق، أن الحزب لا يقاس بعدد أعضائه فقط، بل ببرامجه ونشاطاته الحزبية، وقدرته على استقطاب الناخبين. وأن أعضاء الحزب سواء أكان عددهم 500 أو ألفا، يعتبر غير كاف لإيصال الحزب إلى العتبة، أو تخطيها. وأن قوة التأثير يمكن أن تكون أكثر مرونة فيما يخص عدد المؤسسين أو الأعضاء. وهناك من يؤكد أن الأهم- رسميا- هو إقناع العامة بالمشاركة في الأحزاب، والتغلب على النظرة الشعبية السلبية للعمل الحزبي. وهي النظرة التي يعتقد أنها تستند إلى بعد رسمي في بعض جوانبها.
فعدد الحزبيين كان محدودا أصلا، ورفع عدد المؤسسين للحزب الواحد إلى ألف شخص، لم يفلح في توسيع الدائرة وزيادة العدد الكلي للحزبيين.