خيارات متعددة لحل أزمة النائب عماد العدوان.. أبرزها مبادلته بشخصيات محكومة في السجون الأردنية؟

{title}
أخبار الأردن -

الدكتور محمود عواد الدباس 


الرأي العام الأردني  كان في بداية الأمر  انفعاليا في التفاعل مع  إيقاف ومحاكمة النائب عماد العدوان في السجون والمحاكم الإسرائيلية لكنه ما  لبث إلا أن حبس أنفاسه أو قلل تفاعله  فقد طبق الجميع عموما مطلب الدولة من حيث التزام  الهدوء خشية التأثير  السلبي على مجريات  محاكمة العدوان . نيابيا ظهر في  بداية المشهد  بعض النواب لكنهم  لاحقا توقفوا عن التصريحات المنحازة للنائب العدوان والمعادية لإسرائيل وروايتها تبع ذلك تعليق غير معلن لجلسات المجلس النيابي خلال  الأسبوعين الأخيرين الحالي و السابق  من الدورة البرلمانية الحالية  والتي بقي من مدتها أسبوع واحد . نتيجة لذلك  تركزت الأنظار على محامي  العدوان الذين لم يلتقوا به إلى الآن بقرار من المحكمة الإسرائيلية والتي تجدد في ذات الوقت إيقافه  . رسميا  لا يوجد إلا تصريح بسيط لوزارة الخارجية و تصريح آخر للسفير الأردني هنالك تؤكد ويؤكد  متابعة الموضوع . في المحصلة  التزم الجميع  الصمت كي تتفرغ الدولة لإنجاز مهمتها و فك خيوط القضية وإيجاد حل  .  مع الإشارة هنا  إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تنجح الدولة فيها  في ضبط إيقاع الشارع بما تريد وبما يخدم الهدف .

في التوقف على شكل العلاقة الأردنية الإسرائيلية عبر العقود الماضية  فهي  علاقة يمكن وصفها أنها علاقة  قوية في مجالين  اثنين و ضعيفة في مجال ثالث . العلاقة بين الطرفين قوية في المجالين العسكري والأمني  وقوية في الجانب الاقتصادي و أبرزها اتفاقيات الغاز والماء و الكهرباء لكنها  علاقة متضاربة ومتناقضة في المجال السياسي الذي يخص مستقبل الدولة الفلسطينية و موضوع الوصاية الهاشمية على المقدسات هنالك .  في الخلافات التي كانت تحصل بين الطرفين  في المجال  السياسي كان مجلس النواب الحالي والذي سبقه هو مجلس ضاغط على الحكومة في العلاقة في إسرائيل . كان النواب يريدون الغاء  اتفاقية الغاز و كانوا يريدون إلغاء المعاهدة و كانوا يريدون طرد السفير الإسرائيلي لكن  أمام كل تلك المطالبات المتتالية كان النظام السياسي لا يقبل فالأمر أعقد من ذلك بكثير .لاحقا  وضمن سياق الجدل أو المسافة الواسعة بين المجلس النيابي و الحكومات المتعاقبة في العلاقة مع اسرائيل  جاءت قضية النائب العدوان من حيث التحول من مجرد الاكتفاء بالتصريحات المنددة بإسرائيل نحو ما هو أبعد ؟.  

نعود إلى الوراء إلى  السنوات الماضية ونسئل  كيف عالج الطرفان الخلافات الطارئة  بينهما .  في  العام ١٩٩٧ م و عندما أقدم  الجندي الأردني أحمد الدقامسة على  قتل الطالبات الإسرائيليات في الباقورة  انتهى الموضوع بمحاكمته أردنيا مع دفع تعويضات إلى أهالي الضحايا.  بعدها كانت  محاولة اغتيال خالد مشعل القيادي في حركة حماس في حينها كان تشدد الملك حسين هو الحل .كانت المعاهدة في جهة و حياة خالد مشعل في جهة أخرى . في نهاية الموضوع تم إنقاذ حياة مشعل و تم إطلاق صفقة المبادلة السياسية وأنتهت القصة . القصة الثالثة  ذات الدلالة كانت حادثة القاضي الاردني الذي قتل على الحدود  في العام ٢٠١٤ م والتي لم يحقق بها الاردن اي انجازات تذكر  ثم  جاءت قصة حارس السفارة في العام ٢٠١٧ م  الذي قتل اثنين أردنيين   والذي  سلم إلى دولته لان له صفة دبلوماسية مع التعهد بمحاكمته هنالك ولم يتم ذلك لكن وفي وقت لاحق  تم الاتفاق على  دفع تعويضات إلى أهالي الضحايا الاردنيين مع تغيير السفير الاسرائيلي  وتعيين سفير جديد وإعادة فتح السفارة هنا بعد إغلاقها لخمسة شهور . بعد سنوات وفي العام ٢٠١٨ م تم إيقاف العمل بملحقي  الباقورة و الغمر في معاهدة وادي وتم تجاوز الأزمة حيث كان هنالك انقسام داخل المجتمع الإسرائيلي  بحسب دراسة بحثية  وتم عبور الأزمة مع أن ذلك لم يكن مقبول لإسرائيل فعليا  لكنها قبلت رسميا  و لم تصعد سياسيا  . في العام ٢٠١٩ م تم محاكمة اسرائيلي تسلل إلى الأردن وتم سجنه هنا لعدة شهور ولم يحدث تصعيد بين الطرفين الاردني والاسرائيلي حول ذلك فلم يكن ذلك مهما للحكومة الاسرائيلية .  


في التحليل لأساليب الطرفين في حل الأزمات الطارئة السابقة  بينهما كان هناك عدة أساليب . الاسلوب الاول هو أسلوب المحاكمة النظرية أو الفعلية لمرتكب الفعل في دولته التي يحمل جنسيتها ( محاكمة فعلية للدقامسة في الأردن في العام ١٩٩٧ م و محاكمة نظرية لحارس السفارة الإسرائيلية في العام ٢٠١٧ م ). أما الأسلوب الثاني فهو المحاكمة الفعلية لمرتكب الفعل في محاكم و سجون الطرف الآخر ( محاكمة المتسلسل الإسرائيلي في المحاكم الأردنية و سجنه في العام ٢٠١٩ م ) . أما الأسلوب الثالث فهو أسلوب دفع التعويضات لعائلات الضحايا ( في العام ١٩٩٧ م تم دفع تعويضات لعائلات الطالبات الإسرائيليات وفي العام ٢٠١٩ م تم دفع تعويضات لضحايا حادثة السفارة الاسرائيلية في الاردن ) . الأسلوب الرابع هو التعنت السياسي فلا محاكمة ولا تعويضات ( حالة القاضي الاردني زعيتر في ٢٠١٤ م ) . الأسلوب الخامس كان المبادلة السياسية للسجناء بين الطرفين ( حادثة محاولة اغتيال مشعل في العام ١٩٩٧ م ). الأسلوب السادس كان القبول الرسمي على الرغم من الرفض السياسي ضمنيا ( قبول إسرائيل رسميا  إلغاء العمل بملحقي الباقورة و العمر في العام ٢٠١٨ م ). من هذا الاستعراض لأساليب الحل التي اتبعها الطرفان  يمكن هنا أن  نستخلص أن الأردن كان قويا في جميع التسويات للأزمات السابقة فقد حقق شيء في كل تسوية  باستثناء قضية القاضي زعيتر التي لم يحقق لها الاردن اي شيىء نتيجة لتعنت الطرف الإسرائيلي .

 اليوم توجد خيارات كثيرة تطرح هنا وهنالك  من أجل إطلاق سراح النائب عماد العدوان الموقوف حاليا في السجون الأسرائيلية  منذ أسبوعين و يحاكم هنالك  . هذه الخيارات متعددة  بعضها مستوحى من الأساليب السابقة التي استخدمها الطرفان في حل القضايا الشائكة أو الطارئة بينهما  وربما هنالك خيارات أخرى في هذه القضية .أبرز هذه الخيارات التي يتم الحديث بها على سبيل التسريبات ما يلي : الخيار الأول وهو  إطلاق سراح النائب العدوان دون محاكمة في المحاكم الاسرائيلية وبالطبع قد يأتي هذا الإجراء الإسرائيلي سداد لمواقف أردنية سابقة أبرزها إطلاق الأردن سراح حارس الأمن الإسرائيلي الذي قتل مواطنين أردنيين اثنين في سنوات ماضية( أسلوب مكرر )    . الخيار الثاني وهو استمرار اسرائيل في إيقاف النائب العدوان ومحاكمته وسجنه داخل السجون الإسرائيلية ( أسلوب مكرر ) . الخيار الثالث هو  إطلاق سراح النائب العدوان لكن مع اشتراط محاكمته في المحاكم الأردنية  سريعا و سجنه اقلها نظيرا  ( أسلوب مكرر ) . الخيار الرابع وهو أهم وأخطر الخيارات وهو تفكير خارج الصندوق و  الذي يتمثل في مبادلته مع سجناء أردنيين أو غيرهم داخل السجون الأردنية نتيجة لأحكام قضائية صادرة بحقهم( أسلوب مكرر )  مع الإشارة هنا إلى أن هذا الطلب قد يأتي أيضا  من طرف عربي أو دولي  يعلبون دورا سريا في إنهاء هذه الأزمة و يخصهم أمر سجين ما أو أكثر في السجون الأردنية . الخيار الخامس هو  وجود طلب اسرائيلي بعقد  اتفاق جديد مع الحكومة الأردنية يخص أمن المعابر والجسور وبالصيغة التي تخدم اسرائيل كثيرا ( اسلوب جديد ).  


ختاما . فكما أن حادثة ايقاف النائب عماد العدوان لم تكن الحادثة الاولى في أزمة العلاقة بين الطرفين الأردني من جهة و الإسرائيلي من جهة أخرى فهي كذلك وربما أنها لن تكون الأخيرة فاسباب كثيرة تعيد إنتاج أزمات إضافية لاحقة . لكن في كل الأحوال فالطرفين وعلى الرغم من الخلافات بينهما  فالحقيقة أن العلاقة بينهما هي علاقة استراتيجية و ليست علاقة مؤقتة لأسباب معروفة . لذلك سيأتي الحل بما يضمن الإبقاء على العلاقة بينهما مع قسوة في اتفاق الحل على الجهة الأردنية هذه المرة ؟.ربما !.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير