عودة سوريا للحضن العربي.. السيناريوهات المحتملة
"ورقة تقدير موقف صادرة عن مؤسسة مسارات الأردنية للتنمية والتطوير حول المساعي العربية لإعادة سوريا للحضن العربي"
تُسابق العديد من العواصم العربية الزمن لإعادة سورية إلى مقعدها في جامعة الدول العربية قبيل انعقاد القمة العربية في جدة يوم 19 من الشهر الجاري، لكن المشهد يوحي بأن عودة سورية إلى الحضن العربي حُلم بعيد المنال وأن ما يحدث الآن هو مجرد محاولات لـ"تسكين الأزمة السورية" أو الوصول إلى هدنة طويلة الأمد لتجنيب الساحة السورية مزيدا من الصراعات والحروب.
لكن ثمة خلاف عربي حول طريقة إعادة سوريا لبيتها العربي، ففي حين تشترط بعض الدول العربية على النظام السوري إنجاز الخطوات المطلوبة نحو الحل السياسي قبل العودة لجامعة الدول العربية، ترى دمشق أن العودة يجب أن تسبق أي التزامات من جانبها، وفي محاولة للوصول إلى "حل وسط" تقترح عواصم عربية ومنها عمّان منهجية خطوة مقابل خطوة، وترى أنها منهجية عملانية في ضوء تعقيدات الأزمة وتداعياتها، وتمثل الطريق الأفضل للتعامل مع الأزمة، وتتيح مساحات لتشجيع الخطوات الإيجابية ودفعها نحو خطوات أخرى تجاه حل شامل ينهي الأزمة.
ما هو الجديد؟
في آخر فصول المساعي العربية لتضميد الجروح السورية الغائرة، احتضنت العاصمة الأردنية لقاءً تشاوريا جمع وزراء خارجية الأردن وسوريا والعراق والسعودية ومصر، واتفقوا خلاله على أن العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين أولوية قصوى ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فورا.
كما وافقت دمشق على اتخاذ الخطوات اللازمة لوقف التهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق، واتفق المجتمعون أيضا على دعم سوريا ومؤسساتها في أي جهود مشروعة لبسط سيطرتها على أراضيها وفرض سيادة القانون، وإنهاء وجود الجماعات المسلحة ووقف التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية.
عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية
أهم إنجاز قد يتحقق للنظام السوري، عودته إلى جامعة الدول العربية، لكن اجتماع عمّان لم يتطرق لهذا الملف وهو ما أكده وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عندما صرّح بأن قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية يتم اتخاذه وفق آليات عمل الجامعة.
وأوضح الصفدي، أن "عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومشاركتها قرار تتخذه الدول العربية"، مشيرا إلى أن قرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية "قرار عربي اتخذ في إطار الجامعة العربية، وبالتالي أي قرار بهذا الاتجاه يؤخذ أيضا في الجامعة العربية وفق آليات عمل الجامعة".
لماذا يُريد العرب حل الأزمة السورية؟
الأردن
يخوض الأردن منذ سنوات حربا معلنة ضد عصابات تهريب المخدرات من الجانب السوري، وتتحدث تقارير إعلامية صراحة أن عمليات التهريب تقف وراءها ميليشيات إيرانية بالتعاون مع قوات سورية نظامية.
ومن الأسباب الرئيسية لسعي الأردن لحل الأزمة السورية، فتح بوابة تجارية مهمة للصادرات الأردنية باتجاه أوروبا، والمساهمة في عمليات إعادة الإعمار والتي ستنفق عليها دول غنية مليارات الدولارات.
كذلك يعتبر ملف اللاجئين السوريين على رأس الملفات الضاغطة على الأردن من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، خاصة أن المجتمع الدولي لا يقدم مساعدات كافية لتغطية تكاليف استضافة اللاجئين السوريين، وفي هذا الجانب قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن مؤخرا إنّها حصلت على 15 % من متطلبات برامجها في المملكة للعام الحالي، والبالغة حوالي 390 مليون دولار.
السعودية
السعودية التي فاجأت العالم بإعادة العلاقات مع إيران بعد سنوات من العداء والاشتباك مع وكلائها في المنطقة، تسعى أيضا لتهدئة في الجبهة السورية ضمن سياستها الجديدة "صفر أعداء".
واستقبلت الرياض المملكة، الشهر الماضي، وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في أول زيارة من نوعها منذ 12 عاما، وأعلن الجانبان ترحيبهما ببدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين.
مصر ليست متحمسة
لا يبدو أن مصر ليست متحمسة لعودة سوريا بهذه السرعة، رغم الاتصال الهاتفي بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي، والسوري بشار الأسد، بعد الزلزال المدمر، وهناك من يرى أن القاهرة تقاوم جهود إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، بحجة أنه على النظام السوري القيام بخطوات سياسية تضمن تسهيل طريق الحل الشامل قبل العودة.
رفض قطري
قطر أعلنت صراحة على لسان رئيس الوزراء، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية "مجرد تكهنات"، وأن "أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة" بالنسبة للدوحة، وتابع: "كانت هناك أسباب لتعليق عضوية سوريا ومقاطعة النظام السوري، وهذه الأسباب لا تزال قائمة بالنسبة لدولة قطر".
دول تنتظر القرار العربي
تعمل الكويت ولبنان واليمن وليبيا والصومال وجيبوتي وجزر القمر على تقييم الوضع على ضوء التطورات، لكن من المرجح أن تؤيد أي قرار يصدر في القمة العربية المرتقبة في جدة.
مفتاح الحل بيد إيران وروسيا
طهران وموسكو هما العاصمتان التي على العرب طرق أبوابها لإعادة سوريا إلى الدائرة العربية، وبدون الحصول على ضوء أخضر منهما لن تفضي الجهود العربية لأي شيء، لأن القرار السياسي السوري مرهون بتوجيهات إيرانية وروسية ولا يمكن لدمشق القفز على رغبات من أنقذ نظامها من السقوط خلال فترة الحرب.
الفيتو الأميركي
مع أن احتمالات عودة سوريا لجامعة الدول العربية "في أعلى مستوياتها" وفق المواقف المعلنة، لكن القلق الأميركي من هذه الخطوة قد يتبعه "فيتو" يفرمل كل شيء.
وفي آخر ردود الفعل الأميركية، أعرب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، مايكل مكول، عن شعور عميق بالقلق إزاء التحركات الأخيرة التي تنذر باقتراب عودة انخراط سوريا في جامعة الدول العربية.
وقال مكول في تصريحات: "نشعر بقلق عميق إزاء الجهود المستمرة لتسهيل إعادة بشار الأسد للانخراط في جامعة الدول العربية. نحث شركاءنا العرب على عدم التطبيع مع بشار الأسد ونظامه القاتل لشعبه".
السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأقرب للواقع وفق المعطيات على الأرض، يشير إلى أن الجهود العربية للتطبيع مع سوريا ستتوقف عند حد السماح لتمثيل أقل من رئاسي (وزير خارجية) في القمة العربية المقبلة، وانتظار ردود الفعل الدولية وخاصة الأميركية، وبناء ذلك إما مواصلة التطبيع أو الاكتفاء بهذا المستوى أو حتى العودة للمربع الأول.
سيناريو آخر يقول إن شروط فتح أبواب جامعة الدول العربية لسوريا لم تتحقق بعد، في ظل غياب الإجماع العربي وارتهان قرار دمشق لطهران وموسكو، والمخاوف الأمريكية من التطبيع العربي مع سوريا، والأهم من كل ذلك عدم تقديم النظام السوري أي خطة لإيجاد حل سياسي شامل.
السيناريو الأسوأ للعرب، أن تُجدد الولايات المتحدة رفضها لأي جهود تسعى نحو التطبيع مع نظام بشار الأسد، والتلويح بقانون قيصر الأميركي الذي يفرض عقوبات على كل شركة تتعامل مع دمشق، ويهدف إلى محاسبة المتورطين في انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبها النظام السوري والتشجيع على التوصل إلى حل سياسي في سوريا.
لكن بما أن الدول العربية بدأت فعلا بالسير في خطوات عملية للتقارب مع النظام السوري، فمن المرجح أن تكون الإدارة الأميركية منحت العواصم العربية مساحة للتحرك والتقارب مع دمشق لكن دون تطبيع كامل يقوّي بشار الأسد.