حوش عليا
سليمان قبيلات
كانت عليا مجرد أرملة لقّاطة قمح. بنت وأيتامها الثلاثة حوشاً من الطين حول خشّة الأسرة التي فقدت الاب مبكرا . كان الحوش موضع حسد في القرية. لكن الآن، صار بمقدور عليا، أن تأمن على البيدر الصغير الذي تجمع قشّه طوال موسم حصاد القمح من َالمساحات التي يسمح مالكوها بجمع السنابل المتساقطة على الأرض.
وشوشها احد مُلّاك الارض: شيدي حوشاً من طين يواري خلفه بيدرك ويرد أذى عيون الحاسدين.
وعليا لا يخفى عليها، ان عيون الخلق لا تدع أحداً وشأنه.
أُمٌّ محاربةٌ باغتها القدر بجبهة حرب مبكرة . تجمّلت بالصبر بعد رحيل الزوج الشاب وقامت على رعاية الايتام الثلاثة، بشكيمة قوية استفزتها المحنة الطارئة.
اصلا، أسرة عليا مقطوعة من شجرة؛ لا أرض ولا أملاك تركها الراحل.
كان بعض الحصّادين ينثرون رزماً من السنابل في طريق عليا الخجولة، فبادرت لتنبيههم : حرام، القش المتروك كثير، وهذا تعب أهل الأرض ! كانت تأنفُ من جمع السنابل المنثَورة قصداً في طريقها.
في لحظة، أسرّ لها حصاد : يا بنت الحلال صاحب الأرض سمح لنا بترك حصة لك. صمتت، وتركت "لقاطتها" وغادرت منزعجة!.
كان آخر الحصاد، فقررت ان تدرس البيدر. بعد يومين من التعب المضني، أعطاها البيدر غلّة مبروكة. صارت مونة الخبز متوفرة ويمكن ان تبيع ما يزيد.
أيتام عليا حبَتهم الاقدارُ ذكاءً فكانوا مبرّزين في المدرسة البعيدة. طار صيت هذا الذكاء في الديرة حتى صار اليتامى مضرب مثل في النجابة وقوة الاحتمال والتحمل. يهبون لمساعدة أيّ محتاج. يلقون السلام بنبرة بالغين قبل الأوان.
قال الاغنياء وعامة الناس عن الأيتام "يتامى مقطّعين وجيعانين" يبزون اولاد النعمة وأصحاب القطعان والأراضي والموارد الكثيرة.
صارت مروءة الأيتام لاجمة لالسن الشماتة.
انهى يتامى عليا تعليمهم المدرسي بتفوق. احدهم غدا طالب طب في دمشق والثاني تبعه في الكلية بعد عام والثالث بات طالبا في هندسة الميكانيك في العراق.