الأردنيون والسوريون
سميح المعايطة
حين يكون الحديث عن الأشقاء السوريين في الأردن يكون حول كلفة اللجوء على الدولة والتعليم والصحة والعمل، وهي جوانب مهمة لكن هناك جانبا يتعلق بعلاقة الأردنيين مع الأشقاء السوريين.
في لبنان وهي من اكثر الدول تأثرا باللجوء السوري هنالك بين الحين والآخر حوادث مؤلمة وضرب وقتل احيانا في علاقة بعض اللبنانيين بالسوريين، وهناك تيار قوي يطالب بإعادتهم الى سورية، وفي هذا العام كان هناك مسلسل مهم حول اللجوء السوري في لبنان هو مسلسل “النار بالنار”، وانتاجه ببطولة ممثلين كبار دليل على ظاهرة مؤثرة في علاقة اللبناني بالسوري على الارض اللبنانية، وكان محاولة للتخفيف من الظواهر السلبية في هذه العلاقة.
وفي تركيا التي استقبلت ملايين السوريين ايضا هنالك تيار متعصب ضد السوريين وحوادث مؤلمة، وهناك من القوى السياسية والاجتماعية في لبنان وتركيا من لديه موقف يقاتل من أجله لإعادة السوريين الى بلادهم من منطلق مصالح المواطنين.
نقول هذا لأننا في الأردن وبعد 12 عاما من قدوم السوريين الى الأردن وإقامتهم في المخيمات او المدن لم نشهد اي ظواهر سلبية في العلاقات او – لا سمح الله – اي احداث مؤلمة مهما كان حجمها، ولدينا تجربة أردنية كريمة في التعامل مع الأشقاء وقبولهم والتعاون معهم في كل مجال كان فيه الأشقاء، وهنا نتحدث عن اكثر من مليون وربع دخلوا الأردن وعاشوا فيه، ونتحدث عن اعداد متواضعة من العائدين، لكن تجربة وجود السوريين في الأردن مختلفة رغم ان الأردن يعيش مرحلة اقتصادية صعبة ومشكلات في البطالة والفقر والتنمية.
لا نقول هذا لنمن على احد -لاسمح الله-، فالخطاب الأردني رسميا وشعبيا منذ بداية الازمة السورية وحتى اليوم يقوم على الروح العربية والإنسانية، والأردن الذي لديه معاناة اقتصادية لم يعكس هذا الامر على تعامله مع الأشقاء، والأردنيون لم يتعاملوا إلا بروح اخوية واحترام وتقدير للسوريين في كل المحافظات والمجالات.
كلنا نتمنى عودة الأشقاء الى بلادهم بما في ذلك الدولة وهذا طبيعي لأن اللجوء حالة مؤقتة ولأن العالم بدأ يتجاهل ازمة اللجوء السوري وتراجع الدعم لهم الى نسب متواضعة، ولأن هذه العودة ستخفف الاعباء علينا جميعا، لكن هذا لم ينعكس يوما على سلوك اي أردني تجاه شقيق سوري، ولم يكن هناك الا التعامل الكريم، وحتى تعامل الدولة مع الأشقاء السوريين في كل الخدمات او التعامل. وهذه التجربة الأردنية من حقنا كأردنيين ان نسجلها لأنفسنا ولبلدنا.
ولعل ما يجب الانتباه اليه ان جزءا من دول العالم كانت وربما ما تزال تدعو وتعمل على دمج السوريين في الدول التي تستضيفهم مقابل الدعم، لكن الدولة الأردنية تدرك هذا ولهذا لم تذهب إلى اي اتفاقية او حتى قبول بمصطلح “الدمج” في كل تعامل مع المنظمات الدولية ودائما يتحدث الأردن عن العيش الكريم للاجئين وليس الدمج.
في الأردن تيار اجتماعي واسع يتمنى ويريد عودة السوريين الى بلادهم تخفيفا على البلد والناس في كل المجالات لكن لا يوجد أردني تعامل بشكل سلبي مع الأشقاء، فقناعتنا جميعا ان عودة السوريين ضرورة لهم ومصلحة للأردن لكن هذا لم يتحول إلى أفعال عنيفة او عنصرية او ما شابه.
لعل قدر الأردن ان يكون على ارضه نزوح ولجوء من عشرات الدول وكل كوارث الامة والمنطقة جاءت بموجات نازحين او لاجئين، سواء الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين او أزمات سورية والعراق والحرب الأهلية في لبنان وازمات اليمن وغيرها وغيرها، ودائما كان الأردن يحمل الاعباء دون من او اذى.
مرة أخرى نتمنى ان يعود كل لاجئ او نازح الى ارضه فهذا هو الامر الطبيعي ومنهم اهل سورية، ونتمنى أن يكون هناك حل ما يخفف عن الأردن ويساهم في عودة الأشقاء او النسبة الاكبر وهذا ما تسعى له القيادة الأردنية، لكن قبل ذلك ستبقى تجربة السوريين في الأردن مختلفة حتى الافراد الذين خرجوا عن الأصول وكانوا عملاء لتنظيمات او مخابرات دول او ميليشيات فقد تعامل الأردن معهم بهدوء وبحجم تجاوزهم، وربما من سيكتب يوما عن اللجوء السوري سيجد في التجربة الأردنية أمرا مختلفا.