مطالبات بإصلاح صندوق النقد الدولي

{title}
أخبار الأردن -

أحمد عوض

لاحقا لمقالة الأسبوع الماضي، التي تناولت عجالاً المواضيع التي يجري حولها حوارات ونقاشات خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين والتي جرت في العاصمة الأميركية واشنطن، انتهت أعمال الاجتماعات الدورية قبل يومين، غير أن المطالبة بإصلاح منظومة حوكمة صندوق النقد تتسارع بشكل حثيث، ولم يعد يحمل رايتها ممثلو منظمات المجتمع المدني المختصة بعمل هذه المؤسسة ذات التأثير الكبير على اقتصاديات الدول والاقتصاد العالمي، وإنما اتسعت لتشمل حكومات وخبراء وازنين.

مساحة النقاشات التي تجري خلال اجتماعات الربيع والاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، لا تقصُر على التفاوض بين ممثلي الحكومات وخبراء وإدارات هاتين المؤسستين من أجل الحصول على المزيد من المساعدات المالية أو الفنية، بل تمتد إلى مساحات أخرى تتصل بجوهر عمل هاتين المؤسستين وفعالية تدخلاتهما، وهو ما يقوم به الفاعلون الآخرون على الساحات الوطنية والدولية من خارج الحكومات.

تزايدت الأصوات المطالبة بإصلاح آليات عمل الصندوق بعد أن ذهبت غالبية توزيعات حقوق السحب الخاصة التي وزعها الصندوق في العام 2021 إلى دعم اقتصادات الدول لمواجهة مختلف تداعيات جائحة كورونا إلى الدول المتقدمة التي لديها فوائض مالية، فيما حصلت الدول الفقيرة التي في أمسّ الحاجة إلى السيولة المالية على الحصة الأقل.

كذلك، فإن الغياب الواضح للعدالة عن عمليات التصويت على القرارات داخل الصندوق، الذي يقوم على نظام الحصص، أعطى عددا محدودا من الدول قوة تفوق قوة الغالبية العظمى من دول العالم. ما أدى إلى غياب أي أدوار للدول التي تحتاج سيولة ومساعدات مالية من الصندوق إبان الجائحة في توقيت وحجم وآلية توزيع حقوق السحب الخاصة الأخيرة، وهذا أمر مخالف للمنطق العام والمنطق الاقتصادي بخاصة.

كذلك، ازدادت الضغوط من أجل إصلاح مجمل منظومة الحوكمة التي يعمل بموجبها صندوق النقد الدولي ليكون أكثر عدلا، وبعد فشل العديد من تدخلاته من تحقيق أهدافها، أكان على مستوى الاقتصاد العالمي أو على اقتصادات الناس والمستويات المعيشية لهم جراء هذه التدخلات.

عشرات الدول التي ارتبطت مع الصندوق في برامج إعادة هيكلة تحت مسميات متعددة من أجل التخفيف من ضغوطات الديون وخدماتها، والتخفيف من عجوزات موازناتها العامة وحساباتها الجارية، لم تتحقق هذه الأهداف في معظم هذه الدول، لا بل تفاقمت مشكلة الدين لهذه الدول، وأصبحت قنبلة موقوتة تهدد اقتصادات عشرات الدول من جهة، والاقتصاد العالمي من جهة أخرى. الى جانب أن عجوزات الموازنات العامة للدول والحسابات الجارية المرتبطة مع الصندوق ببرامج مشتركة لم يتم معالجتها.

مطالبات إصلاح حوكمة الصندوق تدفع باتجاه إصلاح آليات اتخاذ القرارات، بحيث تمكّن الدول الأكثر حاجة إلى المساعدات من لعب دور أكبر في تحديد ملامح قرارات الصندوق، وتدفع كذلك باتجاه إعادة النظر بالسياسات التقشفية التي يفرضها الصندوق على الدول المرتبطة معه ببرامج واتفاقيات مشتركة.

مجمل الإجراءات التقشفية التي فرضها الصندوق، وما يزال يفرضها، على هذه الدول، أدت إلى زيادة أعداد الفقراء وإضعاف منظومات الحماية الاجتماعية، وتفاقم التفاوت الاجتماعي، وبروز سياسات ضريبية مشوهة وغير عادلة، ومستويات أسعار مرتفعة للسلع الأساسية، يرافقها مستويات أجور منخفضة.

وهذا مرتبط بشكل مباشر بتدخلات الصندوق لتحرير الأسواق والضغط على الأجور لتبقى عند مستويات منخفضة، ورفع الدعم عن مختلف السلع الأساسية، وإضعاف شروط العمل، واعتماد المنهج “الاستهدافي” في تصميم برامج الحمايات الاجتماعية، حيث يقدم النزر اليسير من المساعدات النقدية إلى الفقراء، ويبتعد عن تصميم برامج حماية اجتماعية شاملة ومتماسكة تمنع وقوع المزيد من الناس في دوائر الفقر. ويشير الواقع إلى أن زيادة أعداد الفقراء والتفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية مرتبطة بنيويا بتدخلات الصندوق.

نحن في الأردن لنا مصلحة كبيرة في إصلاح آليات عمل صندوق النقد الدولي وحوكمتها، أكان على مستوى توسيع مساحة مساهمتنا في عمليات اتخاذ القرار، أم على مستوى إعادة النظر في طبيعة تدخلات الصندوق التي نشأت عنها مشكلات اقتصادية واجتماعية متعددة، وعلينا أن نبذل جهودا في هذا الاتجاه، والتشجيع عليه.

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير