الاخبار العاجلة
تراجيديات الكوميديا الأردنية

تراجيديات الكوميديا الأردنية

مالك العثامنة

شهدنا وشاهدنا وعاصرنا تحولات البشر الثورية في عالم التكنولوجيا المعرفية بكل أدواتها، وتعلمنا فيما تعلمناه أن الدراما ” أيا كانت” لها أصولها ومن أهمها حضور النص الجيد أولا.

الكوميديا تحديدا، لها أصول وقواعد أكثر صعوبة لإنتاجها، سواء في الدراما التمثيلية أو حتى في البرامج الترفيهية (والترفيه صناعة ضخمة وخطيرة).

القصة في الأردن، تحديدا في “الإنتاج الكوميدي” دخلت في متاهة تجاذبات يمكن قراءتها ضمن علم الاجتماع السياسي لا في سياق الفن وأصوله.

تاريخيا، كان للكوميديا الأردنية حضور “عربي” متميز نسبيا، وفي الحقبة الطباشيرية للقنوات الأرضية التلفزيونية كانت تلك الكوميديا “مضحكة” للمتلقي المكتفي بالترميز أو النقد الاجتماعي “البسيط” لأن المشاكل كانت أكثر بساطة.

توظيف “اللهجة” في صنع المفارقات الكوميدية ليس بدعة أردنية بالمناسبة، بل هو توظيف عالمي.

في الولايات المتحدة، هناك توظيف ساخر ومشغول بعناية للهجات بين لهجة نيويورك وباقي العالم، او الجنوبيين الذين بالكاد يفهم عليهم باقي الناطقين بالانجليزية، أو لهجة الأميركان من أصول أفريقية أو حتى مؤخرا لهجة “الطليان” المهاجرين وعالم المافيا.

في عالمنا العربي، توظيف اللهجة أيضا مشغول بعناية في أعمال كوميدية حققت انتشارا هائلا، وآخرها مسلسل “الكبير أوي” للفنان “جزائري الجنسية” مصري الهوية أحمد مكي، وكثيرون يتذكرون رائعتي “ممدوح حمادة والليث حجو” التي وظفت اللهجة المحلية لبعض نواحي سورية في “ضيعة ضايعة” ثم في “الخربة”.

حتى في السعودية “المتفوقة في صناعة الترفيه حد العالمية”، كانت مواسم مسلسل مثل “طاش ما طاش” تنوعا في اللهجات التي تم توظيفها دراميا بمنهجية محترفة وكوميدية لا إسفاف فيها ولا تجريح.

في كل تلك الأعمال لم يغضب أحد ولم يتحسس من توظيف اللهجة، كما انه في كل تلك الأعمال كان هناك العامل الأول في نجاحها جميعا، النص الجيد والمحبوك والمدروس حتى لو كان كاتبه “عبقريا” منفردا، إلا أن النص خاضع لقراءات تشبه “الورشة” في كل العملية الإنتاجية المطبوخة بهدوء وترو وعلم ومعرفة.

التوظيف الفني في الأردن لا يخضع لمعايير مهنية ولا أصول درامية “متفق عليها في العالم كله” بل خاضعة لحسابات اجتماعية لها نكهة سياسية، لتتحول في المحصلة إلى معركة “يشبهوننا ولا يشبهوننا”، وهي معركة ليست فنية بقدر ما هي شرخ اجتماعي عمودي تعكسه وسائل التواصل الاجتماعي ويصل مستوى التراشق اللفظي والاتهامات فيه إلى مستوى رديء جدا أكثر رداءة من بعض الأعمال التي يتحدث عنها ذلك الطرف أو ذاك.

فلنتذكر دوما أن تاريخ الإنتاج الدرامي الأردني كان متميزا وانهار فجأة، وفي اللهجات قدمنا نسخة أردنية جميلة عن المسلسل البريطاني الثمانيني “Mind your Language” من خلال مسلسل “العلم نور” الذي استعرض أغلب لهجات مجتمعنا الأردني “بضفتيه وحواضره وأقلياته”. (ومن هذا المسلسل انبثقت شخصية أبوصقر للأردني الكبير موسى حجازين).

الفنان السوري “عراقي الجنسية” أيمن رضا تحدث قبل أيام في مقابلة أن الدراما السورية “المتفوقة بجدارة اليوم” تعلمت من الأردنيين. وفعليا هو محق.

نافلة القول وزبدته: الفن إبداع يتطلب جهدا ومعرفة وخبرة وموهبة، والكوميديا إبداع مكانه الدراما أما التهريج فاستعراض تسلية ومكانه حاضر في سيرك السوشال ميديا.

والسوشال ميديا بحر في فضاء افتراضي لا متناه فيه الجيد والرديء، والجيد يبقى بطبيعته والرديء يتلاشى بميوعته، ومثال ذلك أن وليم شكسبير حاضر حتى اليوم بأعماله لكن المهرج الذي أضحك الجميع في بلاط الملك جيمس الأول لا أحد يعرف اسمه حتى اليوم.

 


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).