الاخبار العاجلة
إلى متى هذا التضليل؟

إلى متى هذا التضليل؟

ماهر أبو طير

هذا ليس إعلاماً، برغم أن الغاية منه، إعلام الشعب، حول ما يجري، لكنها طريقة بائدة تعبر عن الافلاس، وقلة الأخبار، وكأن هناك من يعد انفاسنا في هذا البلد، الذي يعيش فينا، ونعيش فيه.

إليكم حزمة من الاخبار وعناوينها، الأردنيون يستهلكون مليون دجاجة يوميا في رمضان، الأردنيون اشتروا مليون حبة قطائف في اليوم الاول في رمضان، الأردنيون استهلكوا ربع مليون اسطوانة غاز خلال المنخفض الجوي، الأردنيون اجروا مليون دقيقة اتصال هاتفية في اليوم الاول من العيد، الأردنيون ضحوا خلال عيد الاضحى بربع مليون خاروف بلدي، ونصف مليون جدي روماني، الأردنيون اشتروا مليون لتر كاز خلال الثلجة الاخيرة، بعد انخفاض اسعاره، الأردنيون يستهلكون عشرين طنا من الملوخية في موسمها، الأردنيون يستهلكون خمسين طنا من الجميد سنويا، الأردنيون استهلكوا مليون متر مياه دافئة ليلة الخميس الاخيرة، وهكذا تتوالى الاخبار علينا.

كل يومين يخرج لنا خبر من هذه الشاكلة، وبرغم النقد الهائل لهذه الطريقة، إلا ان هناك اعلاما من زمن ستالين او من حقبة الخمسينيات الشمولية يعتقد ان هذه اخبار مهمة، يتوجب نشرها من باب التثقيف وتحديث المعلومات، والإعلام والإبلاغ، حول هذا الشعب المتذمر لكنه كثير الاستهلاك، على اعتبار ان بقية شعوب العالم، لا تستهلك مثلنا، واكثر ربما.

ربما السؤال هنا، يتعلق بالتضليل الذي تؤديه هذه الاخبار، فهي تقول ان كل الامور ممتازة، والاستهلاك بشكل طبيعي، والسيولة متوفرة، ودليل ذلك هذه الارقام المرعبة والمهولة.

هذا مجتمع كبير، يعيش في الأردن احد عشر مليون شخص، واكثر، منهم سبعة ملايين أردني ونصف المليون، ولو تم استدراجنا للعبة الارقام، اذا صحت بطبيعة الحال، ولم تتم الزيادة عليها، لاكتشفنا انها ارقام اقل من عادية، خصوصا، ان القطاعات تشكو من احوالها، قطاعات الوقود، الملابس، الغذاء، الزراعة، ويتحدث العاملون فيها عن تراجع في المبيعات اساسا.

مناسبة هذا الكلام، قرب شهر رمضان، وبدلا من هذه الاخبار، التي تمارس التضليل والتوهيم، لتشعرك ان هذا شعب أكول، لديه المال، علينا ان نتحدث عن ما هو اهم، اي من اين يتدبر الناس نفقاتهم، وهل هي من جيوبهم، ام يستدين اغلبهم، كما ان الاعلام الحيوي الفاعل، عليه واجب ان يخرج ليتحدث عن التغيرات في الاسعار، والغلاء، مثلا، واستغلال المواسم مثل رمضان والاعياد، وفتح المدارس، وغير ذلك من تواقيت تنفلت فيها الاسعار، وتكوي الناس ولا ترحمهم.

لن تتغير هذه الطريقة، برغم ان لا احد في الأردن، يعد على اولاده مثلا، عدد الارغفة التي يستهلكونها، ولا عدد الدجاجات التي تناولوها خلال سنين مراهقتهم، لكن لدينا من يجمع هذه الارقام بحرفية، ويقوم بحقن العصب العام بها، لغايات لا يهتم بها احد، وليس ادل على ذلك من ان غيابها كليا، لن يؤثر على حياتنا، ولا على قناعاتنا، فوق ان صناعة الصورة هنا بائسة، فهي تصنع في الخيال صورة الملايين وهم ينهشون كل هذه الارغفة ولا يهمهم اي امر آخر.

ربما الافضل استبدال هذا المحتوى بمحتوى آخر، محتوى شفاف وصادق يساعد في صنع السياسات، حول اعداد المتعطلين عن العمل، بشكل دقيق، اعداد الفقراء الذين لا تكفيهم مساعدة صندوق المعونة الوطنية، اعداد الأردنيين الذين يدرسون تخصصات راكدة وعدد خريجي كل تخصص، اعداد الأردنيين الذين يعانون من السكري، اعداد الأردنيين الذين ينتظرون دورهم لأخذ صورة اشعة في مستشفى حكومي، ومثل هذه الارقام تفيد في قراءة الصورة جيدا، مع ادراكي هنا، انه يتم احيانا اشهار مثل هذه الارقام لغايات احصائية واقتصادية واجتماعية.

الجهات التي تتولى بعبقرية انتاج الارقام المرتبطة بالأردنيين، وماذا يأكلون وماذا يشربون، على طريقة الاخبار البائسة التي نقرؤها احيانا، عليهم ان يسكتوا قليلا، ولا يحصوا انفاس الناس، لأن كل انسان نهاية المطاف ينفق من ماله الشخصي، وليس مال غيره، او مال الخزينة.

يبقى السؤال: كم عملية شهيق وزفير، من المتوقع أن ينفذها الأردنيون خلال اليوم الاول في رمضان، والسؤال مفرود للاجابة، وبالتأكيد لدى العباقرة في بلادنا اجابات شفافة وصادقة.

 


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).