الاخبار العاجلة
إصلاح العملية الإصلاحية

إصلاح العملية الإصلاحية

مالك العثامنة

في الصالونات السياسية هنالك حوارات ثرية، لا معنى لها أمام برلمان أقر فعليا معظم المخرجات كقوانين، ولا يزال مستمرا في عمله.

في الشارع، واقع يائس ومختلف، مشغول بلقمة عيش صعبة لا يمكن ملاحقتها بحزب سياسي، وفي الشارع غضب متشعب وكامن لا يمكن إطلاقه إلا إذا توحدت فتائله المختلفة والمتشتتة بفتيل واحد، والمشترك الوحيد بينها جميعا هو الفقر.

ما يجمع الشارع “الغاضب” والصالونات “العاتبة” أن سقف الحديث فيها مرتفع جدا، والشعور بالخطر من حالة “التسكين” لا يمكن إخفاؤه.

وغالبية الحوارات تتحدث عن مشروع دولة بحياة سياسية حزبية وحكومات برلمانية سياسية.

طيب.. فلنفكك العبارات ونعيد تركيبها على الوقائع والواقع.

الدولة التي نتحدث عنها فيها وعليها ما يلي:

الدولة فعليا لم تعد ريعية، عصر الامتيازات “الحكومية” انتهى، والدولة غير قادرة على “الإعالة” بالمفهوم التقليدي الذي اعتاده الأردنيون، وهذا يعني ببساطة أن القطاع الخاص يجب أن يكون مستعدا للنهوض وتعبئة فراغ “الريعية” بمفاهيم إنتاجية صحية ومتعافية.

القطاع الخاص، ببساطة ووضوح، غير مستعد، هو نفسه رهن تشريعات “إدارية” بنكهة سياسية كانت تضع أكبر منشأة فيه تحت رحمة “الأفندي موظف الميري”! ولا تزال. مع الأخذ بعين الاعتبار إن هذا الأفندي نفسه غاضب وعاتب ومستفز ومتسلط أكثر من قبل.

الدولة، التي لم تعد ريعية ومحكومة بتشريعات تنظم جهازها البيروقراطي الراسخ والعنيد، تم اختراق بيروقراطيتها “التي كانت سر نجاحها أيام كانت ريعية” بتفريعات مؤسسية وهيئات مستقلة تتشابك أدوارها مع الوزارات والمؤسسات القديمة المعنية، والتشابكات وصلت حدا من الإرباك بحيث أنه أصبح من العادي أن تتقاطع أدوار وزارة يرأسها وزير “مستحدث” مع مؤسسة مستقلة حديثة يرأس مجلسها ذات الوزير، وكل ذلك يحدث باسم القوانين.

الدولة، بمعناها الضيق المحصور بالحضور الرسمي لمؤسساتها السيادية والخدمية فقدت كثيرا من مصداقيتها أمام الشارع الذي يتصاعد غضبه يوما بعد يوم.

صاحب القرار هنا مطالب بإصلاح كل ذلك، وإعادة تأهيل الدولة من جديد لتكون بكامل عافيتها مهيأة لدخول العصر الجديد من الإصلاحات.

لكن، هذا لا يكفي، فهناك أيضا، مفهوم المواطنة، وهو حجر الأساس لتكون هناك دولة مؤسسات وقانون تحت دستور ينص على أن “جميع الأردنيين أمام القانون سواء”.

والمواطنة في الأردن، مفهوم تتنازعه أجندات متنازعة، بين منظمات مجتمع مدني مهتمة بالتمويل المستمر والسخي لتمرير برامج ميوعة سياسية لا معنى لها واقعيا، أو يمين أردني – إن جاز التعبير- يتحول إلى شوفينية متعصبة تحاول خلق أيقوناتها التاريخية الرمزية بالغصب عن التاريخ نفسه، أو يسار فصائلي منهك يحاول التعافي عبر نقض مفهوم الدولة الأردنية بنفس انتقامي، أو اختراقات إقليمية من الخارج تحاول زعزعة الأمن الداخلي الأردني لتمرير صفقات إقليمية تضع الأردن في الزاوية الحرجة.

كيف يمكن أن تنشئ حالة حزبية سليمة بأحزاب تمثل تيارات تعكس حاجات الناس، والخروج من متاهة حلزونية من المناكفات التاريخية التي لا تزال تضع “حركة فتح” في قوائم انتخابية واضحة المعالم؟ كيف يمكن أن تقنع المخيمات “التي لم تعد مخيمات فعليا” أنها جزء من الحياة السياسية المحلية؟

المواطنة، مفهوم واضح، لكنه معقد وشائك ويحتاج من الدولة أن تحدد موقفها مرة واحدة وإلى الأبد في علاقتها مع الضفة الغربية، ومن مكانها في الإقليم بشجاعة وحسم.

نعم، الدولة الأردنية بحاجةٍ لإصلاحاتٍ إدارية ثم سياسية، وهذا بلا شك يتطلب التخلي عن المفهوم الريعي لها إلى مفهوم الدولة الحديثة التي تديرها المؤسسات ويحكم العلاقات فيها القانون العصري والحديث.

حينها، يمكن الحديث بسهولة ومرونة وبدون تكلف إنشائي عن حكومات برلمانية وحياة حزبية ودولة مواطنة متساوية قوية بجبهتها الداخلية وقادرة على التموضع باستقرار في إقليم يتم تفكيكه وتركيبه من جديد.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).