موجات الواي فاي والعقم المرتقب للإنسان
في ظل الطوفان المعاصر للأجهزة الإلكترونية برز الحديث عن تأثير الأمواج الصادرة عن تلك المعدات على صحة الإنسان، وفي ظل التناقص التدريجي للخصوبة عند الرجال في العالم؛ ظهر أشخاص يقولون إن هذه الأمواج تسبب العقم عند الإنسان، وظهر آخرون ينفون أي تأثير لها. فمن منهم على صواب حسب الدراسات العلمية؟
الملخص، كلا الطرفين مخطئان، وإليك التفصيل:
بداية يجب أن نعلم أن الأشعة الصادرة عن تلك الأجهزة هي أمواج كهرومغناطيسية غير مؤينة تتراوح تواتراتها بين 50 Hz و300 GHz. (أي بين 50 هرتز إلى 300 مليار هرتز).
وتعتمد كمية الأمواج الممتصة من الجسم على عوامل هامة، وهي: تواترها، واستقطابها، ومدة التعرض لها، ومكان الجهاز في أثناء استخدامه (وهو الأهم).
فمعدلات الامتصاص العالية تلاحظ في أثناء التحدث على الهاتف المحمول، وعند إبقائه بالقرب من الرأس أو في جيب البنطال، وعند وضع الحاسب المتصل بشبكة الـ Wi-Fi في الحجر، وفي الاستخدام المتكرر لأفران المايكروويف.
كما أن هذه الأجهزة ليست على حد سواء في شدة الأمواج الصادرة عنها:
فالهواتف النقالة تصدر أمواجا تواترها 0.9 - 2.45 GHz (أي أكثر من مليار هرتز).
وأجهزة بث الـ Wi-Fi (الـ wireless)، وكذلك الحواسيب المحمولة المتصلة به تواتر أمواجها حوالي 2.4 GHz.
وأفران المايكرويف 2.45 GHz.
وبعد هذا التمهيد، ننتقل إلى صلب موضوعنا: ماذا تقول الدراسات العلمية؟
بالنسبة إلى الهاتف المحمول: الأمر الصادم للكثيرين أن العديد من الدراسات الوبائية والمبنية على المشاهدة وملاحظات المرضى، وكذا الدراسات التي أجريت على الحيوانات المنوية في المختبر، أظهرت أن هذه الأمواج تنقص من عدد النطاف وحركتها، وتسبب شذوذات شكلية فيها (وهذا يؤثر على وظيفتها).
وعن أجهزة Wi-Fi (الراوتر): فإنها تؤثر على تعداد النطاف وحركتها وغيرها من المعاملات، ولوحظ أنها تسبب زيادة في معدل استموات النطاف في الجرذان.
وكذلك أجهزة اللابتوب، لم تسلم الحيونات المنوية منها، فقد بينت دراسات مخبرية وواقعية أنها تنقص من تعداد النطاف وحركتها ونوعيتها.
وكل ما سبق بالطبع قد يؤثر على الخصوبة.
حسنا، إذا الفريق الذي يقول بأن تلك الأجهزة تسبب العقم على حق؟!
لا. ليس تماما، كما ترى، من المحتمل أنها تنقص من خصوبة الرجل. إنما ليس للحد الذي تسبب فيه العقم.
لكن انتبه واحذر، فليس كل الرجال لديهم بالأصل خصوبة طبيعية! بعض الرجال خصوبتهم بالأصل منخفضة، لكنها كافية للإنجاب، فما بالك إن خفضناها؟!
والسؤال هنا: كيف تسبب تلك الأمواج هذا التأثيرات؟
في الحقيقة: لا نخفيك سرا أن الآلية المسؤولة عن هذه التأثيرات السلبية لا تزال مجهولة، ولكن وضع العديد من الفرضيات لتفسيرها، نعرض عليك أبرزها إن كنت مهتما:
إن التعرض لهذه الأمواج يحرض المتقدرات على إنتاج كميات كبيرة من العوامل المؤكسدة (ومن أهمها ROS) التي تسبب أذية للـ DNA والغشاء الخلوي (وهي الفرضية الأكثر بحثا في المختبرات وعلى الحيوانات).
أن هذه الأمواج تسبب اضطرابا في مستويات أنزيمات الكيناز (مثل PKC و histone kinase و creatine kinase)، وهي إنزيمات مهمة لاستقلاب الخلية وتكون النطاف.
وهناك أبحاث على الفئران تحدثت عن اضطرابات هرمونية إما بالتأثير المباشر على خلايا لايدغ في الخصية (وهي خلايا تفرز التستوستيرون الضروري لعملية تكون النطاف) أو بطريق غير مباشر بالتأثير على الغدة النخامية المفرزة لهرمونات FSH وLH الضرورية لتكون النطاف.
بالإضافة إلى فرضيات أخرى تحتاج مزيدا من البحث والأدلة.
وختاما، وبالرغم من وجود إجماع عام على النتائج السلبية السابقة، إلا أن الأدلة ليست قطعية بعد، فبعض الدراسات كانت نتائجها غير متناسقة أو مطردة، بل وقد وقفنا على دراسة على الفئران أشارت إلى نتائج معاكسة! وربما يعود سبب هذه التناقضات لاختلاف تصميم التجارب من حيث مصدر النطاف المعرضة (حيواني أو بشري)، ومصدر الأمواج وغيرها. ونشير أخيرا إلى أن الدراسات حول تأثير هذه الأمواج على البويضات عند الإناث أقل بكثير منها عند الذكور، كما أن نتائجها أكثر تضاربا.
قد تتساءل إذا، ما الذي علي فعله -كذكر- الآن؟
باختصار، وإلى أن يظهر دليل بقطعية ما ورد من أدلة أو عدمه، عليك بتجنب وضع هاتفك في جيب بنطالك الأمامي لفترة طويلة، خصوصا إن كان متصلا بالإنترنت. وحذار من وضع جهاز اللابتوب مباشرة في حجرك على فخذيك.
وأخيرا، اترك بضعة أمتار بينك وبين الميكروويف حال عمله زيادة في الاحتياط.