الخط الفاصل بين حرية التعبير والإساءة الممنهجة
قال الخبير القانوني والأخلاقي، الدكتور صخر الخصاونة، إن التعبير عن الرأي، وإن كان من الحقوق الأساسية المكفولة بموجب الدستور الأردني والمعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن، لا يُعد حقًا مطلقًا، فهو محكوم بضوابط قانونية وحدود تشريعية تهدف إلى حماية النظام العام، وصون هيبة الدولة، والحفاظ على السلم الأهلي.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن أي تفوهات أو هتافات تخرج عن إطار النقد البنّاء إلى دائرة الإساءة الممنهجة أو النيل من الكرامة المؤسسية للجهات الرسمية، بما في ذلك القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، تصبح خاضعة للمساءلة القانونية وفقًا لما تضمنه قانون العقوبات الأردني والتشريعات ذات الصلة.
وبيّن الخصاونة أن بعض الأصوات التي تسعى إلى تبرير أفعال من هذا القبيل بالادعاء أن مرتكبها كان في حالة "قهر" أو "انفعال عاطفي"، فإن المنظومة القانونية الأردنية لا تعترف بهذه المشاعر الشخصية كأساس للإعفاء من المسؤولية الجزائية، ولا تُدرجها ضمن الأسباب المخففة التي حددها المشرّع على نحو حصرٍ دقيق، فالنية الجزائية لا تُلغى لمجرد أن الشخص كان غاضبًا أو متأثرًا بظرفٍ ما، ما لم يكن ذلك مدعومًا بحالة نفسية مرضية موثقة تخلّ بكامل الإرادة أو الإدراك، وهو ما لا ينطبق في الحالات المعتادة لانفعالات الغضب أو مشاعر السخط العام.
ونوّه إلى أن الألفاظ التي تتضمن شتمًا أو قدحًا أو ذمًا موجّهًا إلى هيئات رسمية، أو ما ينطوي على تحقير للقوات المسلحة أو النيل من هيبة الدولة ومكانتها المعنوية، تُعتبر، من الناحية القانونية، أفعالًا مُجرّمة يُعاقب عليها القانون، وقد تندرج ضمن أحكام المواد المتعلقة بـ"إهانة الهيئات الرسمية"، أو "خطاب الكراهية"، أو حتى "تقويض مكانة الدولة في نفوس مواطنيها"، وهي جرائم لا يُجيز المشرّع التغاضي عنها أو تبريرها بحسن النية أو الظروف الشخصية للفاعل.
وذكر الخصاونة أن المدعي العام، بوصفه صاحب الولاية في تحريك الدعوى العامة وتكييف الأفعال، يُقدّر ما إذا كان ما صدر من هتافات أو أقوال يُشكّل فعلًا مجرّمًا بالمعنى القانوني، ومدى ارتباطه بأي من النصوص العقابية ذات العلاقة، سواء أكان ذلك ضمن الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي، أو تلك المتعلقة بالإساءة إلى رموزها وهيئاتها.
ولفت الانتباه إلى أن سيادة القانون تفترض المساواة أمامه وعدم السماح بتحصين أي فعل خارج دائرة المسؤولية، مهما كانت دوافعه أو مبرراته، كما أن الحفاظ على الحريات لا ينبغي أن يتحوّل إلى ذريعة لإهدار كرامة المؤسسات الوطنية أو المساس بهيبة الدولة، إذ إن العلاقة بين المواطن والدولة يجب أن تظل محكومة بميزان دقيق من الحقوق والواجبات، بما يضمن ممارسة الحريات دون انتهاك لثوابت السيادة أو ثقة المجتمع في مؤسساته.

