خيرالله يكتب: تبييض السلاح… لجني مكاسب سياسيّة!
خيرالله خيرالله
عشيّة الجولة الثانية من الاجتماعات التي تنعقد في الناقورة في اطار لجنة “الميكانيزم” بحضور شخصية مدنية محترمة على رأس الوفد اللبناني، يبدو مفيداً إيراد مجموعة من الملاحظات.
في مقدّم هذه الملاحظات أن لا وجود لشيء اسمه مفاوضات من أجل المفاوضات. الأهمّ من ذلك كلّه أن أي مفاوضات، من أي نوع، أكانت مباشرة أو غير مباشرة، تدور في ظلّ ميزان للقوى يتحكّم بها. من هذا المنطلق، أي انطلاقا من هاتين البديهتين، يُفترض في لبنان تحديد هدفه من المفاوضات الدائرة، بشكلها الجديد، بدءا بمعرفة ما الذي تريده إسرائيل. ما الذي تريده الدولة العبريّة من أجل الانسحاب من المواقع الخمسة التي تحتلها في جنوب لبنان. كذلك، ما المطلوب من أجل منع تحول إسرائيل حاجزا أمام إعادة إعمار للقرى المدمّرة من جهة ومعالجة المشكلة المتمثلة بوجود نحو 110 آلاف نازح لبناني من جهة أخرى.
الشيعة والسلاح في بوتقة واحدة؟
توجد مدرستان في التعامل مع الوضع اللبناني. تنادي المدرسة الأولى التي يقودها الثنائي الشيعي، ومن خلفه إيران، بضرورة تقديم السلاح على كلّ ما عداه، بما في ذلك على التخلّص من الاحتلال. تعمل هذه المدرسة تحت عنوان عريض يقول إن السلاح هو الطائفة الشيعية والطائفة الشيعية هي السلاح ولا بدّ من ترجمة السلاح إلى مكاسب سياسية على الصعيد الوطني.
تكشف طريقة تعاطي الثنائي مع تعيين السياسي سيمون كرم على رأس الوفد اللبناني في لجنة “الميكانيزم” وجود أولويات تختلف كلّيا عن السعي إلى التخلّص من الاحتلال وتأمين عودة أهالي القرى المنكوبة إلى أرضهم. يستهدف ذلك الوصول إلى معادلة تقوم على استخدام إستمرار الاحتلال، القابل للتوسع، بل التشبّث بالإحتلال، من أجل تبرير بقاء السلاح الإيراني.
ما الفائدة من السلاح الإيراني في لبنان ومن التمسّك به، على الرغم من أنّه أكبر خدمة يمكن تقديمها للإحتلال؟ يكمن الجواب في أنّ السلاح لم يكن يوما موجّّها ضدّ إسرائيل، مقدار ما كانت له وظيفة داخلية لبنانيّة. تتمثّل هذه الوظيفة في ترويض لبنان. لا هدف من بقاء السلاح غير ترويض لبنان وترويض “الحزب” للطوائف اللبنانية بغية التوصل إلى صيغة بديلة من إتفاق الطائف… صيغة تبتعد عن المناصفة.
في الوقت ذاته، تقوم المدرسة الثانية، أي مدرسة الواقعيّة والتمسك بالسيادة الوطنيّة وعدم تمكين إسرائيل من البقاء في الأراضي اللبنانيّة، على فكرة في غاية البساطة. في أساس هذه الفكرة حماية لبنان والحؤول دون تحوله ورقة إيرانيّة وغير إيرانية. لا يمكن أن يتحقّق ذلك من دون التعاطي مع الوضع الإقليمي المستجد بجدّية بدل أن يكون لبنان ضحيته مرّة أخرى.
دفع لبنان غاليا ثمن تحوله “ساحة” للآخرين وذلك منذ قرّر حافظ الأسد، قبل ان يصير الحاكم الأوحد لسوريا في العام 1970 التحكّم بمصير لبنان واللبنانيين. فعل ذلك عن طريق لعب دور الحكم بين الميليشيات المسيحية التي قامت في لبنان في سبعينات القرن الماضي والمنظمات الفلسطينية التي كانت موجودة على الأراضي اللبنانية. عمل الرئيس السوري الراحل كلّ ما يستطيع من أجل الوصول إلى اليوم الذي كلفه فيه هنري كيسينجر، وزير الخارجية الأميركي في حينه، الدخول عسكريا إلى لبنان من أجل الفصل بين القوى التي تتواجه عسكريا على أرضه. فعل ذلك مطلع العام 1976، بضوء أخضر إسرائيلي بعدما كان توصل في العام 1974، بواسطة كيسينجر نفسه، إلى تفاهمات مع الدولة العبريّة ضمن بموجبها أمنها على جبهة الجولان.
كلامٌ من ماضٍ مضى
بقي لبنان ورقة سورية طويلا وما لبث أن تحوّل ورقة سورية – إيرانية وصولا إلى تفرّد “الجمهوريّة الإسلاميّة” بالسيطرة على البلد ابتداء من نيسان – أبريل 2005 عندما خرج الجيش السوري من لبنان على دمّ رفيق الحريري.
يجمع بين كلّ المراحل التي مرّ فيها لبنان منذ جريمة توقيع اتفاق القاهرة، في خريف العام 1969، وضع سوري معيّن محوره شخص حافظ الأسد، منذ أيام كان وزيرا للدفاع. بدأ الأسد يتدخل في لبنان قبل احتكاره السلطة في سوريا.
إلى الآن، يرفض قسم من اللبنانيين استيعاب عمق التغيير الكبير حصل في لبنان في اليوم المجيد الذي انتهى فيه حكم آل الأسد في سوريا. كان ذلك يوم فرار بشّار الأسد إلى موسكو في الثامن من كانون الأول – ديسمبر 2024. تغيّرت سوريا ولا بدّ أن يتغيّر معها لبنان. خرجت سوريا من سيطرة إيران ولا بد أن يخرج لبنان من هذه السيطرة أيضا. ما يشهده لبنان حاليا محاولة أخيرة للحؤول دون أن ينعكس التغيير السوري عليه. ما يشهده لبنان عملية تبييض للسلاح تستهدف جني مكاسب سياسية ذات طابع طائفي ومذهبي…
محزن الكلام الأخير للأمين العام للحزب نعيم قاسم الذي ورد فيه:” نقول لأميركا إننا سندافع حتى لو أطبقت السماء على الأرض ولن يُنزع السلاح تحقيقاً لهدف إسرائيل ولو اجتمعت الدنيا على لبنان”. محزن أكثر غياب الصوت الشيعي الآخر، من داخل الثنائي، الصوت الذي يتصدّى لمثل هذا الكلام الذي ليس سوى دعوة إلى إسرائيل من أجل التمسّك بالإحتلال… وإلى حوار وطني لتعديل الطائف بوجود سلاح الحزب!
ينتمي كلام نعيم قاسم والسكوت عنه والسعي إلى تعطيل النقلة النوعية في تشكيل الوفد اللبناني في لجنة “الميكانيزم” إلى الماضي، أي إلى ما قبل التغيير في سوريا. منطقيا، لا يمكن للبنان البقاء أسير الماضي وأسير طموحات إيرانيّة لم تتحقّق في وقت كانت طهران تحكّم بدمشق وبيروت. هذه طموحات لم تتحقق عندما كانت طهران في عزّ قوتها. كيف يمكن أن تتحقّق بعدما صارت “الجمهوريّة الإسلاميّة” في حاجة إلى الدفاع عن نظامها على أرضها وليس في أي مكان آخر؟

