مستقبل 6 جبهات خلال الأيام القادمة... الحوارات يوضح
قال المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات أن إسرائيل باتت، عمليًا، تتحرك بوصفها "قلعة هجومية" لا دولة تتذرع بالدفاع عن النفس، إذ تُخضع محيطها الإقليمي لجملة من التدخلات العسكرية تحت غطاء حماية أمنها القومي، رغم إدراكها العميق أنها تواجه هشاشة عميقة لم تعد قابلة للإخفاء.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن اقتصادها منهك، ومجتمعها مرهق، وهي اليوم أمام حالة غير مسبوقة من العزلة الدولية وتآكل روايتها الأيديولوجية التي روجت لها لسنوات، وعلى رأسها مقولة "الجيش الذي لا يُهزم".
وبين الحوارات أن تضخم الميزانية العسكرية على حساب قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية سيؤدي، حتمًا، إلى تآكل تدريجي في المنظومة الداخلية لدولة الاحتلال، بما يعمّق فجواتها الاجتماعية ويزيد هشاشة بنيتها المؤسسية.
وانتقل الحوارات إلى البعد الفلسطيني، حيث شدد على أن طبيعة الصراع، في جوهره، سياسية استعمارية، قائمة على احتلال الأرض وقمع الشعب، غير أن الانقسام الفلسطيني الداخلي وتداخل القضية الفلسطينية في صراعات المحاور الإقليمية يبقيان لإسرائيل هامش حركة واسعًا تستثمره بكفاءة، وهذه المرحلة، برأيه، تشكل فرصة ثمينة لتفكيك الرواية الإسرائيلية دوليًا، خصوصًا في ظل التراجع الملحوظ في مستوى التعاطف الغربي مع الاحتلال.
وأضاف أن إسرائيل تتجه نحو نمط من الصراع "المزمن مفتوح النهايات"، يتراوح بين حروب موضعية، وضربات نوعية، وعمليات قضم متدرّجة للأرض، دون الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، فخطاب نتنياهو الذي يلوّح بـ"أحداث غير عادية" يخدم، في جوهره، هدفين متوازيين هما تثبيت حكمه داخليًا عبر خلق حالة تهديد دائم، وترسيخ موازنة حرب تمنحه قدرة أكبر على مواصلة العدوان، وإن كانت تغرق إسرائيل في مأزق اقتصادي وسياسي يصعب الفكاك منه.
وأشار الحوارات إلى أن إسرائيل دخلت مرحلة "اقتصاد الحرب طويل الأمد"، مع ازدياد الإنفاق الدفاعي وربط نتنياهو طلب العفو القضائي الذي يحتاجه بمزاعم عن تهديدات إقليمية غير مسبوقة، وهو، بذلك، يوظف فكرة "الخطر الوجودي" لضبط الداخل وإسكات المحاسبة، وتحويل دولة الاحتلال إلى دولة تعبئة دائمة، تستخدم فيها كثافة الأعداء كذريعة لتمرير سياسات أمنية واستيطانية دون رقابة.
وحول مستقبل التصعيد في المنطقة، قال إن السؤال لم يعد: هل المنطقة مقبلة على حروب جديدة؟، وإنما: ما شكل هذه الحروب ومدى اتساعها؟، إذ يرى أن المنطقة مقبلة على سلسلة من الصراعات المحدودة والمتقطعة في أكثر من مسرح، وليست على حرب شاملة.
غزة
ونوّه الحوارات إلى أن نتنياهو سيسعى إلى تكريس الاحتلال والتحكم الكامل بجميع مفاصل القطاع، من الإعمار إلى المعابر، مع اتباع سياسة "الحرب بين الحروب": قصف، ضربات خاطفة، واغتيالات، كلما شعر بأن حماس تحاول إعادة التموضع، فالحرب الكبرى مكلفة، وعديمة الجدوى بالنسبة له، بينما النمط المتقطع يوفر له مكاسب سياسية وأمنية.
الضفة الغربية
ونبه إلى أن الاحتلال يمارس قضمًا استيطانيًا بطيئًا للأرض، مستغلًا انشغال العالم بالحروب المشتعلة، مستطردًا أن حربًا واسعة في الضفة أمر مستبعد، بينما تبقى العمليات المحدودة هي النمط الغالب.
لبنان
حرب شاملة مع لبنان، من وجهة نظره، لا تزال مكلفة للغاية، لذلك تتجه إسرائيل إلى سياسة اغتيالات وضربات دقيقة ضمن إطار "الحرب بين الحروب"، لتجنب الانزلاق إلى مواجهة كبرى.
سوريا
اعتبر الحوارات أن سوريا باتت ساحة مفتوحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية، وأن إسرائيل تعمل داخل "فراغ أمني" يزداد تعقيدًا، وهي تحاول منع التموضع الإيراني مجددًا، غير أن ذلك يصطدم باعتبارات أمريكية تسعى إلى منع الفوضى غير المنضبطة، والحفاظ على وحدة الدولة السورية، ما يجعل الأهداف الإسرائيلية متعارضة مع الاستراتيجية الأمريكية.
إيران واليمن
فيما يتعلق بإيران واليمن، لفت الحوارات إلى أن الجغرافيا والمسافات البعيدة تمنع نشوب حرب كبرى، لتبقى المواجهة محصورة في إطار الحرب السيبرانية، الضربات المحدودة، والعمل الاستخباراتي. فالمحور الموالي لإيران يعاني من ضعف وتفكك يمنع معارك واسعة.
وتابع قائلًا إن إسرائيل تتحرك، استراتيجيًا، كقوة هجومية تتدخل في المحيط تحت ستار الدفاع، محققة أهدافًا بعيدة المدى، لكنها في الوقت نفسه تغرق أكثر في أزماتها الداخلية، وتدفع المنطقة نحو مرحلة طويلة من الاشتباكات المتقطعة، التي قد تكون أخطر من الحرب الشاملة نفسها.

