سارة عيسى تكتب: الحربُ، تسرق طفولة جيل كامل في السودان
سارة عيسى
نعم، إنهم أطفال السودان يعيشون في حربًا نفسية ووجدانية لم يعيشوها من قبل، حرب تسرق طفولتهم، تعليمهم، لعبهم، ومستقبلهم، وأبسط حقوقهم. لقد أصبح من الطبيعي أن ترى طفلًا لم يتعدَّ عمر الثمانية يحمل قارورة بحثًا عن الماء ليسقي إخوانه، أو طفلًا آخر يحمل وعاءً للبحث عن الطعام حتى بين أعلاف الحيوانات. وتتخطى آثار هذه الحرب الجسد لتغرس عمقًا في الوعي النفسي لهؤلاء الأطفال؛ فمشاهد العنف المتكررة، وصوت الرصاص، ورؤية قتل الأحبة أمام أعينهم، تخلف صدمات نفسية هائلة تتجلى في اضطرابات ما بعد الصدمة التي ستلازمهم طويلًا.
وأصبحت مدارسهم إما مراكز لإيواء النازحين أو باتت أهدافًا مباشرة للقصف، مما أدى إلى حرمان ملايين الأطفال من الالتحاق بالمدارس. هذا الانقطاع الطويل لا يعني تراكمًا دراسيًا، فحسب، بل أيضًا حرمانًا لهم من البيئة الآمنة والروتين اليومي المنظَّم الذي يمنح الطفل الشعور بالاستقرار والنظام، وهو ما يفقده بشدة في ظل الحرب والنزوح.
على صعيد الأزمة الصحية، هنا تتعمق مأساة الأطفال بفعل الانهيار شبه التام للقطاع الصحي. انعدام الأدوية والإمدادات الصحية، وتدمير المستشفيات في مناطق النزاع، يجعل الأمراض التي يمكن علاجها بسهولة كالحصبة،الملاريا،الكوليرا، وحمى الضنك، باتت، مُميتةً. لم يقتصر تأثير الحرب على الوضع الصحي فحسب، بل امتدَّ ليصيب الأطفال بسوء التغذية، فأصبحوا مهددين بالموت جوعًا، خاصة في المناطق التي يصعب وصول الإمدادات الإنسانية إليها.
ختامًا، إنَّ ما يحدث في السودان هو سرقة منظمة لمستقبل جيل كامل من الأطفال. فالأثر التراكمي الذي سيعيشونه في وقت ما بعد الحرب من تعليم ، نزوح ، وصدمات نفسية، يعني أن السودان سيواجه في مرحلة ما بعد الحرب جيلًا غير مؤهل بالمهارات الأساسية، ومثقلًا بالجراح النفسية. لذلك، ندعو المجتمع الدولي، والأطراف المتحاربة إلى وقف هذا النزيف، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون قيود، والعمل العاجل على إعادة الأطفال إلى مقاعد الدراسة.

