خيرالله يكتب: القوة الناعمة للأردن...
خيرالله خيرالله
يختصر الخطاب القصير الذي القاه الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمّة الأردني (مجلس النواب ومجلس الأعيان) تلك القوة الناعمة التي تمتلكها المملكة، وهي قوّة سمحت لها بلعب دور في غاية الأهمية على الصعيد الإقليمي. إنّه دور غير مرئي بالنسبة إلى كثيرين من الذين يرفضون الإعتراف بما قام به الأردن، وما زال يقوم به، من أجل فلسطين.
شمل هذا الدور عملية ترويض للرئيس دونالد ترامب ودفعه إلى اتخاذ موقف أقلّ عدائية من الشعب الفلسطيني في ضوء حرب غزّة. ذهب الدور الأردني إلى أبعد من ذلك عندما بعث عبدالله الثاني برسائل عدّة، بطرق مختلفة، إلى رئيس الوزراء الإسرئيلي بنيامين نتانياهو. فحوى الرسائل أن الأردن لن يقف مكتوفا في حال استغلت إسرائيل حرب غزّة لتهجير سكان الضفّة الغربية في اتجاه الضفّة الشرقية من نهر الأردن. بكلام أوضح لن يقبل الأردن، حتى لو اضطر إلى استخدام القوّة، بتهجير أهل الضفّة الغربيّة إليه.
في شباط – فبراير الماضي، حصل لقاء في البيت الأبيض بين العاهل الأردني والرئيس الأميركي الذي بدا، من خلال الكاميرات التي كانت تسجّل الحدث، كأنّه اتخذ موقفا هجوميا من عبدالله الثاني داعيا إلى إخلاء غزّة من سكّانها بغية إعادة إعمارها وتحويلها إلى منتجع سياحي كبير. استطاع عبدالله الثاني، الذي كان حلّق فوق غزّة في اثناء إلقاء طائرات شحن عسكريّة أردنيّة مساعدات لأهل القطاع، إقناع ترامب بأنّ هناك ثلاثة مواقع داخل القطاع يمكن نقل الفلسطينيين من سكان غزّة إليها. يمكن لهؤلاء البقاء في تلك المواقع في انتظار مباشرة عملية إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد إنتهاء الحرب الدائرة. وجد الرئيس ترامب منطقا في كلام عبدالله الثاني، خصوصا أن الأخير أشار إلى أنّ مثل هذا الحل "أقل كلفة" من إفراغ غزّة من سكانها.
إختزل عبدالله الثاني الموقف الثابت للأردن في مرحلة يعتبر فيها أنّ لا مجال لأي تسوية سياسية مع حكومة برئاسة بنيامين نتانياهو. من هذا المنطلق، قال العاهل الأردني في افتتاح الدورة العاديّة لمجلس الأمة: "اليوم، نقف أمام الكارثة التي يعيشها أهلنا في غزة، الصامدون، ونقول لهم: سنبقى إلى جانبكم بكل إمكاناتنا، وقفة الأخ مع أخيه. سنستمر في إرسال المساعدات الإغاثية وتقديم الخدمات الطبية الميدانية. كما لن نقبل باستمرار الانتهاكات في الضفة الغربية، فموقف الأردنيين راسخ لا يلين، تماما كوطنهم.
وانطلاقا من دور المملكة التاريخي تجاه القدس الشريف، يواصل الأردن بشرف وأمانة، الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية".
لا تراجع أردنيا أمام نتانياهو، بل عمل دؤوب يستهدف الإستعانة ببداية إدراك أميركي لواقع يتمثل في أن اليمين الإسرائيلي الحاكم لا يمتلك أي مشروع سياسي من أي نوع باستثناء تهجير الفلسطينيين من أرضهم.
لعب عبدالله الثاني دورا طليعيا منذ فترة طويلة يتجاوز عمرها العشرين عاما في إقناع العالم، بمن في ذلك الولايات المتحدة، بأن لا استقرار في المنطقة من دون قيام الدولة الفلسطينيّة. يحظى الموقف الأردني الواضح من الدولة الفلسطينية بدعم عربي كبير، خصوصا في ضوء الجهود التي تبذلها السعودية ودول أخرى مثل دولة الإمارات العربيّة المتحدة في مثل هذا المجال.
طرأ تغيير طفيف، لكنه مهم، على الموقف الأميركي من حكومة نتانياهو، خصوصا بعدما استطاعت الإدارة الأميركيّة فرض وقف النار في غزّة. مثل هذا التغيير، الذي لم يكن الأردن بعيدا عنه، ليس كافيا. لكنّ ما لا يمكن تجاهله أنّ القوة الناعمة الأردنية باتت جزءا من العمل العربي المشترك الذي لا يستطيع تجاهل أنّ حرب غزّة غيرت المنطقة وموازين القوى فيها. فوق ذلك، بات الدفع في اتجاه تسوية سياسية تأخذ في الإعتبار مسؤولية "حماس" عن حرب غزّة، أمر ضروري في منطقة تعاني من الفراغ السياسي الإسرائيلي من جهة وعبثية تنظيمات متطرفة وضعت نفسها في خدمة اليمين الإسرائيلي من جهة أخرى.

