الحواتمة يكتب: الملك الذي لا يقلق لأنه يعرف شعبه
بقلم المهندس محمد العمران الحواتمة
لم يكن ما أُلقي اليوم في قاعة العرش خطاباً بروتوكولياً عابراً بل وثيقة وجود وإعلانا أدبياً سياسياً غير مسبوق أطلقته القيادة الهاشمية في وجه العواصف الاقليمية العاتية . في زمن يتأرجح فيه العالم تحت وطأة القلق جاء صوت القائد واضحاً وصادقاً خالياً من المجاملات ليجيب على السؤال الوجودي بعمق فلسفي يمزج بين الايمان والانسانية والصدق الوطني .
قالها جلالة الملك عبدالله الثاني بعبارة ستُحفر في ذاكرة الوطن : " نعم يقلق الملك … لكن لا يخاف الا الله … ولا يهاب شيئاً وفي ظهره أردني " .
ليست هذه الكلمات تصريحاً عابراً بل نبوءة قائد يرى الخطر بعين البصيرة ويحمل قلقه المقدس نيابة عن وطن بأكمله . ذلك القلق سرعان ما يتحول الى يقين مطلق عندما يقول الملك : " لا يخاف الا الله " معلناً أن الايمان هو منبع القوة وأن العرش يستمد ثباته من العقيدة والضمير لا من القوة المادية وحدها .
اما حين يقول : " وفي ظهره اردني " فهنا تتجلى ذروة المعنى . ذلك الأردني ليس مجرد مواطن بل هو العهد والوصية ، السند الذي يمنع العرش من السقوط او الانحناء أمام الصفقات . إنه حامي الحمى الذي يفتح بابه في وجه الملهوف ويقف الى جانب المظلوم ويرفض ان تباع كرامته في اسواق الأزمات . وعندما يستند القائد الى هذا الظهر الشعبي تصبح قراراته قرارات مصير جمعي محمية بتلاحم لا يخترق وارادة لا تنحني .
من هذا الاساس الشعبي المتين تستمد السياسة الاردنية ثباتها في مواجهة الضغوط والتقلبات . فالقضية الفلسطينية وصرخة غزة لم تعودا مجرد ملفين سياسيين بل امتداد طبيعي لذلك الأردني الذي يقف خلف قائده . ولهذا جاء تأكيد جلالته بأن الأردن " يقف بكل صلابة ويدافع عن القدس الهاشمية "
اعلان الموقف المبدئي لا يقبل المساومة . انه موقف نابع من عقد شرف بين القيادة والشعب عقد لا ينقض ولا يساوم عليه .
وفي بعد إخر من الخطاب رسم الملك ملامح المشروع الوطني الحديث مؤكداً ان الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليس ترفاً بل واجب وطني وأن مستقبل الأردن لن يكون رهينة لأي سياسة لا تخدم مصالحه او تخرج عن قيمه . فقال جلالته بوضوح :
" ان خدمة وطننا واجب مقدس علينا جميعا فلا خوف على الأردن القوي بشعبه ومؤسساته " .
كما ذكر الأردنيين بجوهر هويتهم الراسخة حين قال :
"هذا الوطن الذي كان قدره ان يولد في قلب الازمات … فكان لزاماً ان يشق دربه بالإرادة … فنما الأردن رغم التحديات واشتد عوده وتجاوزها واحدة تلو الاخرى بفضل ايمان أبنائه " .
تلك الجملة تختصر مسيرة وطن شق طريقه وسط العواصف وبنى مجده بالاصرار لا بالصدف .
ان خطاب العرش السامي اليوم لم يكن خطاب بداية دورة برلمانية فحسب بل رسالة ثورية انسانية الى العالم بأسره بأن القوة الحقيقية لا تقاس بعتاد او نفوذ بل بشرعية مستمدة من الحب المتبادل بين القائد وشعبه وانها دعوة الى بناء المستقبل بالاصرار لا بالرهان على الآخرين .
وفي خاتمة المشهد تجلت روح الهاشميين الخالدة : قائد يحمل قلقه بشجاعة المؤمن وشعب يقف خلفه بإيمان لا يتزعزع . هذا هو الصدى الهاشمي الجديد وعد بان الأردن سيبقى عظيماً عزيزاً ووجهاً عربياً صادقاً طالما بقي هذا الميثاق المقدس بين العرش والشعب هو الختم الذي لا يمحى .

