العبادي يكتب: سوريا: بين ماضي مؤلم ،حاضر طامح ومستقبل حالم

{title}
أخبار الأردن -

 

 

بقلم: د.فوزان العبادي

عشرون عامًا مضت منذ أن كنت أحد طلاب العلم في سوريا، ذلك البلد الذي لطالما شكّل لي ولجيلي بوابة الثقافة والانفتاح العربي. واليوم، بعد زيارتي الأخيرة لها، أعود بانطباع مختلف تمامًا عن تلك الصورة التي استقرت في الذاكرة قبل عقدين من الزمن. لقد تغيّرت سوريا... ليس فقط في ملامح مدنها، بل في روحها وإدارتها ونهجها الجديد.

منذ وصولي إلى الحدود السورية، شعرت أن هناك دولة تتنفس من جديد. التنظيم، الانضباط، وحُسن التعامل كانت مؤشرات أولى على تحوّلٍ إداري ومؤسسي ملموس. وفي لقاءات متعددة جمعتني بشخصيات سياسية واقتصادية سورية، لاحظت أن خطاب الدولة تغيّر: هناك جيل جديد من القيادات الشابة الواعية والمثقفة، جيل يتحدث بلغة العِلم والانفتاح، يؤمن بقبول الآخر، ويدرك أن بناء الدولة الحديثة يبدأ من داخل المؤسسات لا من الشعارات.

لقد بدأت سوريا تخطو بثبات نحو محاربة الفساد، ذاك الإرث الثقيل الذي زرعه النظام السابق في مفاصل الدولة لعقود. واليوم، هناك إرادة حقيقية لاستئصال جذوره، عبر سياسات إصلاحية تتبناها الحكومة الجديدة، وتعتمد على تمكين الكفاءات الشابة وإعادة ضبط المنظومة الإدارية. نعم، الطريق لا يزال طويلاً، لكن الاتجاه واضح، والإرادة موجودة.

ورغم هذا التحول الإيجابي، فإن سوريا تحتاج إلى فرصة أوسع ومساحة أكبر للحركة، وإلى إعلام وطني مهني يوازي في قوته الإعلام المضاد الذي يسعى لتشويه الحقائق وتضليل الرأي العام. فالصورة الحقيقية لسوريا اليوم هي صورة بلدٍ يحاول أن ينهض من تحت الركام، بهدوء وثقة، مستندًا إلى وعي جيله الجديد.

خلال زيارتي لعدة محافظات، منها دمشق وطرطوس وحمص، لمست روح الحياة تعود تدريجيًا إلى الشوارع والأسواق والمشاريع. هناك نشاط اقتصادي خجول لكنه متنامٍ، وحراك ثقافي واجتماعي يستحق الدعم. سوريا التي عرفناها بلد العطاء والتنوّع، وسوريا اليوم بلد الإرادة والإصرار على النهوض.

إن قوة سوريا هي جزء من قوة الأردن وسائر الدول العربية الشقيقة، واستقرارها ضرورة استراتيجية للأمن العربي المشترك. من هنا، فإن على الأردن أن يواصل دوره الإيجابي في دعم سوريا، سياسيًا واقتصاديًا وإنسانيًا، لأن اللحظة التاريخية تتطلب تضامنًا عربيًا صادقًا يعيد لسوريا مكانتها ودورها في المنطقة.

سوريا اليوم لا تبحث عن عطف أحد، بل عن فرصة لتُظهر حقيقتها. إنها سوريا الياسمين والقلاع والتاريخ... سوريا التي تعرف طريقها جيدًا رغم كل الصعاب.
عدتُ إليها بعد عشرين عامًا، وعدتُ لأقول بكل صدق: العود أحمد.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية