الرواشدة يكتب: الأردن أمام جبهتين: عقوق وجحود
يدفع الأردن ثمن مواقفه السياسية تجاه القضية الفلسطينية على جبهتين: جبهة عقوق بعض الأبناء ، وجبهة جحود بعض الأشقاء ، ولكي لا تنطلي على اجيال الأردنيين الحاضرة والقادمة روايات الإفك والزيف التي تروجها بعض التيارات السياسية ، ويتبناها انتهازيون من طبقة تقسيم الغنائم الوطنية ، لابد أن نصارحهم بالحقيقة ؛ الأردن البلد الوحيد في هذه الجغرافيا العربية الذي افتدى فلسطين بنفسه ، وتحمل العقوق والجحود دون أن يتنازل عن مواقفه، أو يتوقف عن دعم اشقائه ، دماء الشهداء تشهد على ذلك، وتضحيات الأردنيين ومواقفهم خلال العاملين المنصرفين مع أهلنا في غزة تدحض كل إفتراء.
جردة الحسابات طويلة وعميقة، للتذكير -فقط - منذ أكثر من 70 عاماً وجد الأردن نفسه محاصراً بالنكران من قبل فصائل وتنظيمات رفعت شعار النضال والتحرر ، حين طلبوا رد الوديعة رددناها ،فرشقونا بحجارة اتهامات التخاذل، حين وضعنا ارضنا وبلادنا تحت تصرف المقاومة ضد المحتل تحولت اتجاهات البوصلة نحو عمّان ، وكدنا نخسر الدولة ، حين هبّت رياح السلام والتسويات ذهبنا معاً في وفد واحد، ثم اكتشفنا ،متأخرين ، أنهم أنجزوا المهمة وتركونا وحدنا ، تجاوزنا المفاجأة لحماية سيادة بلدنا وحدودنا ،ثم وقعنا "وادي عربة".
لا أريد أن افتح ذاكرة تاريخنا المزدحمة بالخيبات، أريد ، فقط ، أن أُذكّر العاقّين والجاحدين أن صفحة بلدنا بيضاء ، وأن (يوسف الأردني) بريء من كيد إخوته ، كما الذئب بريء من دمه المسفوح بسكاكين حقدهم عليه، أريد أن أُذكّرهم أننا لم نتاجر ، كغيرنا، بفلسطين ، ولم نردّ على الألسن التي تسللت للعبث بصورتنا وقيمنا ومواقفنا إلا بالحُسنى ، كنا الأوفى والأنقى والأصدق ، هذه طينة الأردنيين وثوابت قيادتهم ، فتحوا بيوتهم لكل من طرق أبوابهم، وما اكثرهم ،وتقاسموا معهم الرغيف، لا يوجد بلد في العالم أكثر من ثلث سكانه لاجئون إلا الأردن.
الآن ، حان الوقت لكي نتصارح ، لقد تغيرت المعادلات في هذه المنطقة ، ما حدث بعد الحرب على غزة كشف الكثير من الوقائع، على مدى عامين " تقمصنا" غزة ، وانشغلنا بتفاصيل مأساتها، الملك أول من واجه ترامب في البيت الأبيض ورفض التهجير، الدبلوماسية الأردنية هي التي قادت التصعيد لتأجيج الرفض الدولي ضد الإبادة التي قامت بها إسرائيل ، وهي التي حاصرت الرواية الصهيونية وفككتها، وهي التي اخترقت جبهة العواصم الأوروبية التي دعمت الاحتلال ، الأردن اول بلد فتح مجاله البري والجوي لإيصال المساعدات الإنسانية لأهلنا في غزة ، الأردن تحدث بأعلى صوت حين صمت الآخرون، وتحرك بأقصي سرعة حين راهن البعض على "حكمة" الانتظار.
يريد البعض ، ممن قفزوا فوق مركب غزة وحولوها إلى بازارات للتجارة السياسية ، أو ممن وجد في الدماء البريئة فرصة للتطهر من أخطائهم ومواقفهم المغشوشة، أن يضعوا بلدنا أمام أسئلة غير بريئة ، تشكك في جهوده ، أو تتشمت بعدم حضوره على طاولة الهدنة، او تسيء لمن دافعوا عن مواقفه، أو تنتقص من فاعلية مؤسساته، وتوازن خياراته، لهؤلاء أقول : الأردن يعرف تماماً أين يقف ، ومتى يحضر، ولماذا يغيب ، الدفاع عن مواقفه شرف ، والالتفاف حول قيادته وجيشه واجب، والاستدارة نحو قضايا الأردنيين وهمومهم وطموحاتهم أصبحت هي الخيار الصحيح

