توقف العدوان... لكن الأخطر هو التالي

{title}
أخبار الأردن -

 

قال خبير الشؤون الإسرائيلية الدكتور علي الأعور إنّ إعلان الرئيس الأميركي توقيع "اتفاق المرحلة الأولى" بين إسرائيل و(حماس) من داخل البيت الأبيض، والذي تضمن تبادل أسرى، وفتح معابر، وإدخال مساعدات إنسانية، إلى جانب انسحابات إسرائيلة واسعة وتعديل خرائط الانسحاب، يشكّل نقطة انعطافٍ سياسيّ واستراتيجيّ في مسار الصراع، إذ يفتح بابًا واسعا لإعادة تشكيل المشهد الميداني والسياسي في غزة بما يتجاوز حدود التهدئة العسكرية المباشرة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنّ ما يجرى لا ينبغي أن يُقاس فقط بمعيار "وقف النار الآن"، إذ لا بدّ من الوقوف عند التركيب البنائيّ للاتفاق وأدوات تنفيذه، وهي: آليات تسليم الرهائن، آليات انسحاب القوات، آليات ضبط السلاح وإدارة المنافذ، فضلًا عن ترتيبات الرقابة الدولية والمحاور التي ستتولّى تنفيذها - كلّها عناصرٌ تصوغ ما بعد الهدنة، وتفصل بين وقفٍ محدودٍ لإطلاق النار وسيناريوهات سياسية ممتدة الأثر.

وبيّن الأعور أنّ عوامل حاسمة تضافرت لبلوغ هذا المخرج، من أبرزها الدور الأميركي الضامن لتطبيق البنود، ثم الضغوط الإقليمية والدولية الممارسة عبر ثلاثي: مصر، وتركيا، وقطر، والتي لعبت دور الوساطة والضغط على (حماس)، وهو ما أعطى الاتفاق مكوّنًا سياسيًا ــ إقليميًا لا يقتصر على تسوية ثنائية بحتة.
ونوّه إلى أنّ إسرائيل، من زاوية المصلحة الداخلية والاستراتيجية، حققت من هذا المسار أربعة مكاسب متقابلة: أوّلها استعادة عشرين أسيرًا أحياءً وثمانيةٍ وعشرين رفاتًا، وهو رصيد سياسي ونفسي مهم للحكومات الإسرائيلية؛ ثانيها، تقليل تكلفة استمرار العمليات العسكرية واحتواء ضغط الشارع؛ ثالثها، تكريس وجود "منطقةٍ عازلة" أمنيًا بمحاذاة محور صلاح الدين بعمقٍ متغيّر بين (1–2) كم كآلية للنفوذ والردع؛ ورابعها، العمل على تجميد أو تقليص قدرة (حماس) العسكرية عبر آليات ضبط وتفتيش تُنسّق مع جهاتٍ إقليمية، لا عبر انسلاخٍ كاملٍ للحركة من الساحة السياسية وإنما عبر "تحويل دورها" إلى شكلٍ أقل فقاعية عسكرية وأكثر إدارة مدنية.

واستطرد الأعور قائلًا إن مكاسب (حماس) متفاوتة؛ فقد ضمنّت الحركة وقفًا فوريًا للحملة العسكرية وإنهاء استنزافٍ بشري ومادي بالغ، ونجحت في استعادة مئتي وخمسين أسيرًا فلسطينيًا - وفق الأرقام المعلنة - واستحصلت على فتح خمسة معابر لادخال المساعدات دون قيود إدارية مباشرة من الجانب الإسرائيلي، كما احتفظت بموضع سياسي يسمح لها بالاستمرار كقوةٍ فاعلةٍ في التركيبة الفلسطينية عبر انتقالٍ شكلته إلى "حكم تكنوقراطي" يدير الشأن المحلي في غزة، وهو ما يوفّر لها متنفسًا سياسيًا مع الحفاظ على قيادتها ورؤسائها من الاستهداف المباشر.

وأشار إلى أنّ الترتيبات الأمنية المرتبطة بضبط السلاح لا تشير إلى استلامٍ حاسمٍ له من قبل مصر أو أي طرف آخر، إذ رفضت القاهرة تسلّم منظومات الأسلحة الكاملة خشية انزلاقٍ داخلي يؤدي إلى فوضىٍ أهلية؛ وعلى هذا الأساس فإنّ "نزع السلاح" سيتخذ أشكالًا مرحلية مرتبطة بـتفكيكٍ جزئي، برامج إعادة شراء مموّلة دوليًا، وتفتيشٍ ومراقبة برعاية دولية، مع رقابةٍ من مشغّلين مستقلين، وهو سيناريو يفتح فترات تفاوضية مطوّلة حول المعايير والمعايير الفنية للتحقّق.

ولفت الأعور الانتباه إلى أنّ ثمة مخاطر تحيط بمرحلة ما بعد الاتفاق: أولًا، غموضُ آليات الضمان والآليات الزمنية لتنفيذ البنود يجعل التنفيذ عرضةً للاختلالات والمماطلات؛ ثانيًا، احتمال بروز "قوىٍ فاعلةٍ موازيةٍ" أو فصائلٍ متمرّدةٍ قد ترفض تجميد السلاح، ما يهدّد بانفلات أمني محلي؛ ثالثًا، خطرُ تحويل غزة إلى "قضية دولية مُدارة" عبر أطر أممية وإقليمية قد تُضعِف السيادة المحلية وتغيّر أطر المساءلة؛ ورابعًا، أن تصبح "المنطقة العازلة" أداةً دائمة لإعادة هندسة المساحة الجغرافية والسياسية لصالح قدراتٍ أمنية إسرائيلية مُطوّلة.

وأردف أنّ النجاح الحقيقي للاتفاق مرهونٌ بثلاثة شروطٍ متكاملة تتمثل في وجود ضماناتٍ دولية قوية وشفافة قابلةٌ للتحققِ عمليًا، وجدول زمنيّ متدرّج واضح ومتفق عليه لكلّ بندٍ، جنبًا إلى جنب مع أطر إعادة إعمارٍ وتنميةٍ متزامنةٍ تُواكب العملية السياسية لتمنع فراغًا إنمائيًا يقوّي رواسب التوتر.

وحذّر الأعور من قراءة الإعلان كـ"نهايةٍ نهائيةٍ للنزاع"، قائلًا إنّ ما وقع اليوم يشكل فرصةً قابلةً للتحول إلى استقرارٍ مشروطٍ أو إلى احتكاكٍ متكررٍ، وإنّ الفارق سيُصنع عبر آليات التنفيذ والضمانات وليس عبر صياغة الإعلان وحدها.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية