الفرجات يكتب: كوارث حفريات شركات الاتصالات بالمدن
كتب أ.د. محمد الفرجات
تقوم شركات الاتصالات في الأردن، ومن أجل مد خطوط الإنترنت الأرضية للمنازل والبنايات، بعمليات حفر خندقية في الشوارع داخل الأحياء السكنية وبين المدن. وتتمثل هذه الحفريات بخنادق ضيقة نسبياً بعمق نصف متر وعرض يقارب (15 سم)، حيث يتم مد الكيبلات بداخلها ثم طمرها وإعادة إغلاقها بطبقة إسفلت رقيقة، أو أحياناً باستخدام خلطة إسمنتية.
ورغم أن الهدف هو توفير خدمة الإنترنت الأرضي، إلا أن الأسلوب المتّبع في تنفيذ هذه الأعمال يحمل في طياته العديد من المشاكل والمخاطر، أبرزها:
1. إهمال إعادة الطمر والسفلتة بسرعة
في كثير من الحالات، لا يتم طمر الحفر وسفلتتها بشكل سريع، ما يتسبب في إعاقة الحركة المرورية ويؤدي إلى ازدحامات خانقة داخل الأحياء وعلى الطرق الرابطة بين المدن.
2. غياب المعايير البيئية والسلامة العامة
تتم عمليات الحفر والطمر دون مراعاة للمعايير البيئية أو شروط السلامة العامة، حيث تترك الخنادق مكشوفة لفترات طويلة، وتشكل تهديداً مباشراً للمارة والسيارات على حد سواء.
3. مشاكل في جودة الطمر والسفلتة
حتى بعد الطمر، تبقى الخنادق أشبه بقنوات منخفضة عن مستوى الشارع، وحوافها حادة، مما يجعلها خطراً مباشراً على القيادة والاستيرنج، وكذلك على عجلات السيارات التي قد تتعرض للانفجار أو التآكل السريع. والأسوأ أن هذه العيوب الإنشائية تفتح المجال لتسرب المياه إلى طبقات الطريق، مما يقلل من العمر الافتراضي للشوارع ويؤدي إلى تآكل بنيتها خلال أقل من عام.
4. ترك المخلفات دون معالجة
لا تراعي الشركات بعد الطمر والسفلتة التخلص السليم من الأتربة والمخلفات الناتجة عن الحفر، مما يترك الأحياء والشوارع في حالة من الفوضى وعدم النظافة.
5. إتلاف الأرصفة أمام المنازل والبنايات
عند طلب خط إنترنت أرضي لشقة أو منزل، تقوم الشركات بشق الرصيف أمام البناية وإجراء تمديدات داخلية. وغالباً لا تتم إعادة الوضع كما كان، بل يُترك الرصيف مشوهاً ومليئاً بالشقوق والحفر. داخل البنايات، يعبث العمال بعلب التوصيلات الداخلية ولا يعيدونها إلى حالتها الأصلية، تاركين خلفهم بقايا من الأتربة ومخلفات التركيب.
6. تقليل العمر الافتراضي للشوارع
الشقوق والقنوات الناتجة عن هذه الحفريات، حتى بعد ردمها، سرعان ما تتحول إلى نقاط ضعف في طبقات الإسفلت. ومع مرور الوقت، يبدأ الغلاف الرقيق للأسفلت فوق الخندق بالزوال، مما يسمح بتسرب المياه وتآكل الشارع، وبالتالي تقليل عمره الافتراضي بشكل كبير.
7. بؤر تجمع للمياه والبعوض
الحفر الخندقية والقنوات بعد الردم الرديء تصبح مناطق منخفضة تتجمع فيها الأوساخ والأتربة والمياه الراكدة، مما يحولها إلى بؤر بيئية خطيرة تجذب الحشرات كالبعوض وتنشر الأمراض.
إن أسلوب شركات الاتصالات في تنفيذ الحفريات داخل المدن والأحياء السكنية يتسبب بكوارث حقيقية على مستوى البيئة، السلامة العامة، وعمر الشوارع والبنية التحتية. غياب الرقابة الصارمة على هذه العمليات، وترك الأمور بيد عمالة وافدة غير مدربة بشكل كافٍ، يؤدي إلى تشويه المدن وتدهور شوارعها وتفاقم المخاطر الصحية والمرورية.
لقد آن الأوان لوضع معايير هندسية صارمة، ومراقبة حقيقية لهذه الأعمال، وإلزام الشركات بإعادة الأوضاع كما كانت، حفاظاً على البيئة وسلامة المواطنين وعمر شوارعنا.

