الفضيل يكتب: تسونامي حل الدولتين
زيد الفضيل
كان يوما حافلا لم يشهد له التاريخ المعاصر مثيلا، حين تقاطرت دول العالم في الـ22 من سبتمبر 2025م للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإقرار حل الدولتين كمسار أوحد لتحقيق السلام في المنطقة؛ وهو يوم انتصار مؤزر للإرادة السعودية التي تبنى تحقيقها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، ونتج عنها إطلاق مؤتمر حل الدولتين بالشراكة مع الاتحاد الأوربي في الـ27 من سبتمبر 2024م.
حقا إنه تسونامي حل الدولتين الذي لم تستطع إسرائيل بقوتها وتحالفاتها الدولية أن توقفه، ولم تتمكن الولايات المتحدة وهي القوة الأعظم كونيا، والداعم الأكبر والحليف الاستراتيجي الرئيسي لإسرائيل، من منع حدوثه، لتقبع الدولتان (الولايات المتحدة وإسرائيل) في خانة معزولة أمام موقف دولي صارم، وتفاعل شعبي ضاغط، جعل إسرائيل والحكومة الأمريكية في موقف العاجز المنبوذ.
وكان ذلك واضحا في طبيعة خطاب الرئيس ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لم يجد ما يقوله سياسيا، فنحى خطابه صوب الاستعراض الفاقد لحيوية الخطاب السياسي؛ وهو السياق الذي واجهه نتنياهو حال إلقائه لخطابه، حيث فرغت القاعة من الوفود احتجاجا ورفضا لكل الجرائم الإنسانية التي يرتكبها شخصيا وأعضاء حكومته بحق الشعب الفلسطيني، فكان أن تحدث وحيدا للفراغ.
إنها رسالة عالمية أراد المجتمع الدولي أن يؤكدها، وهي دليل على أن غضب الشعوب له تأثيره المباشر على قادة الدول، وحتما هو دليل على أن الدماء البريئة التي تم إهراقها ظلما وعدوانا لن تذهب سدى، وستبقى وبالا على مهرقها إلى يوم الدين.
على أن أهم رسالة سياسية يمكن تأملها من كل ما نشهده اليوم، هو بدء أفول السيطرة الصهيونية اليهودية على مفاصل التأثير السياسي في العالم، وهي التي نجحت في الاستفادة منها خلال مفاصل صراعها السياسي والعسكري مع المنظومة العربية والإسلامية، حيث كان اللوبي اليهودي هو المسيطر على مفاصل اتخاذ القرار الدولي، ومفاصل الإعلام أيضا، وما يتعلق به من سينما، ومسرح، وموسيقى، ودور نشر، وخلافه. ولذلك وضح سيطرة ونفوذ الإسرائيلي وتحكمه بمفاصل الصراع خلال القرن العشرين الميلادي.
لكنه اليوم قد خط أول وثيقة لأفوله سياسيا بجبروته وتوحشه وارتكابه لأبشع الجرائم الإنسانية بحق المجتمع المدني في فلسطين، فكان أن غيرت الصورة الأمر، وجعلت الكون ينتفض رفضا لتلك الجرائم، ووضح ذلك في مختلف الدول الغربية التي مثل سياسيوها الداعم الرئيسي للحكم في إسرائيل، بل وعمدوا على تجاوز كل أخطائهم وجرائمهم في السنوات السالفة. لكنهم اليوم غير قادرين على تغطية أفعال الحكومة الإسرائيلية وما يرتكبه جيشها من مجازر وجرائم، والمعادل الرئيسي في إحداث هذا التغيير كان ولا يزال متمثلا في الضغط الشعبي الناتج عن انتشار الصورة المجتمعية، وتبني السعودية بحزم وإرادة لمشروع السلام العادل القائم على حل الدولتين، وقيامها بحشد العالم سياسيا لتأييد ذلك.
بقي أن أقول إن 159 دولة قد اعترفت بدولة فلسطين، ويبقى أن تنتقل عضويتها في الأمم المتحدة من صفة مراقب إلى دولة عضو كاملة الأهلية، وهو قرار متوقف على موافقة مجلس الأمن بالإجماع، والتي تقف الولايات المتحدة فيه حاجزا مانعا، وحتما هي تستشعر سياسيا حجم الأثر السلبي عليها دوليا في حال رفعها للفيتو في مواجهة الإقرار بفلسطين دولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة، حيث سيزيد ذلك من عزلتها دوليا، مما يجعلها تدخل في مصاف الدول المنبوذة عالميا، وهو أمر غير مسبوق في السياق السياسي الأمريكي؛ كما أن ذلك لن يمنع كل الدول المعترفة من رفع التمثيل الدبلوماسي مع فلسطين، وهكذا تنتصر دماء الأبرياء في غزة وباقي فلسطين المحتلة على التوحش اليهودي وآلة القتل الإسرائيلية.

