العتوم يكتب: المنطقة على موعد مع مواجهة إسرائيلية ـ إيرانية كبرى
د. نبيل العتوم
تشير التوقعات إلى أن هذا التاريخ، بما يحمله من رمزية مرتبطة بهجوم حماس قبل عامين،ربما قد يتحول في تقديرينا إلى لحظة مفصلية في مسار الصراع الإيراني الإسرائيلي. فإسرائيل التي تخوض منذ سنوات مواجهة متشابكة مع إيران عبر حروب الوكالة والعمليات السرية، وجدت في الحرب المباشرة التي استمرت اثني عشر يوما فرصة لتوسيع نطاق الصراع وإعادة تعريف قواعد اللعبة الإقليمية. هذا التوجه لم يعد مجرد احتمال عسكري، بل أصبح جزءا من خطاب سياسي وأمني معلن، حيث يصر قادة إسرائيل على أن المعركة لم تنتهِ بعد، وأن ما جرى لا يعدو كونه بداية لسلسلة من المواجهات والمغامرات الإسرائيلية المقبلة.
القراءات الإسرائيلية المتعددة تصب في اتجاه واحد: أي نجاح تكتيكي ضد البرنامج النووي الإيراني أو البنية العسكرية لا يكفي ما لم يقترن بتغيير جذري في بنية النظام السياسي في طهران. لهذا تتعامل تل أبيب مع الحرب الأخيرة كنسخة تجريبية، تختبر من خلالها حدود الردع الإيراني واستعداد المجتمع الدولي للتجاوب مع تحركاتها. ولعل التهديدات العلنية باغتيال المرشد علي خامنئي، أو الحديث المتكرر عن "تحرير الشعب الإيراني"، تعكس إدراكا عميقا بأن الهدف النهائي هو إسقاط النظام، أو على الأقل إضعافه إلى درجة يصبح فيها عاجزا عن فرض إرادته في الداخل والخارج.
من جهة أخرى، فإن المشهد الإيراني بعد الحرب يظهر حالة من التراجع الاستراتيجي والعزلة الإقليمية. لم تعد طهران قادرة على توظيف أوراقها التقليدية بالزخم ذاته، فيما تعرضت خطوط إمدادها لجماعاتها الحليفة لضربات ثقيلة. ومع ذلك، لا يزال النظام الإيراني يمتلك قدرة على الصمود ومرونة في امتصاص الصدمات، وهو ما يقلق صناع القرار في تل أبيب ويدفعهم إلى التفكير في جولة جديدة أكثر حسما، قد تكون في السابع من أكتوبر المقبل.
الاحتمال المطروح لا ينفصل عن اعتبارات سياسية داخل إسرائيل نفسها، حيث يسعى نتنياهو لإظهار نفسه كقائد يواجه الخطر الإيراني بلا هوادة، ويستثمر اللحظة لتثبيت مشروعه السياسي. كما أن الإدارة الأميركية، رغم تحفظاتها، تدرك أن منع إيران من إعادة بناء قدراتها النووية والصاروخية يتطلب عملا عسكريا متكررا، وليس مجرد رهان على العقوبات أو المفاوضات.
لكن السؤال الأعمق يتجاوز التوقيت إلى طبيعة الأهداف. فهل تسعى إسرائيل إلى مجرد توجيه ضربة إضافية تتنهي مشروع إيران النووي، أم أنها تريد استغلال الرمزية التاريخية للموعد لتدشين مرحلة جديدة من الصراع تُعرف لاحقا باسم "الحرب الإيرانية الثانية "؟ المعطيات الراهنة ترجح أن تل أبيب تنظر إلى السابع من أكتوبر كبوابة لفرض واقع إقليمي جديد، حيث تتبوأ موقع القوة المهيمنة بلا منازع، فيما يُترك لإيران خيار وحيد هو الانكفاء إلى الداخل والتعامل مع أزمة بنيوية قد تعصف بقدرتها على الاستمرار كقوة إقليمية.
إن الإجابة عن السؤال ليست رهنا بحسابات إسرائيل وحدها، بل أيضا بردة فعل إيران وقدرتها على تجاوز مأزقها. فإذا كان النظام قادرا على استيعاب الضربة والتكيف مع تبعاتها، فقد يطول الصراع لسنوات قادمة. أما إذا نجحت إسرائيل في توجيه ضربة قاصمة في هذا التاريخ الرمزي، فإن السابع من أكتوبر لن يُسجل فقط كذكرى لهجوم في غزة، بل كلحظة انعطاف كبرى في تاريخ الصراع بين تل أبيب وطهران.

