الكايد يكتب: درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح

{title}
أخبار الأردن -

علاء مصلح الكايد

أستشهد بالقاعدة الفقهية المذكورة في العنوان أعلاه لغايات تقييم الحدث الأمنيّ الأخير على معبر الكرامة.

وقبل الخوض في الأمر، فمن البديهيّ بأن لغة العقل ليست مسموعة في هذه الأيام، نظراً لما تقترفه حكومة الاحتلال المتطرفة من مجازر وتجويع ودمار وعربدة في الإقليم تدمي القلوب وتستفز العاطفة وتضاعف مشاعر الغضب. لكن؛ ما كلّ فعلٍ أو ردّ فعلٍ بنافع، بل على العكس، فبعض ما تعدُّه العاطفة فوزاً قد يؤدّي في الواقع إلى خسارة.

ففي الصراعات عامة، يكون نجاح اي فعلٍ مرهوناً بتحقيقه او خدمته أحد أهداف ثلاثة:
١- ردع الخصم كلّيّاً واجباره على الكفّ عن افعاله.
٢- دفع الخصم لتقديم التنازلات او الرضوخ لتسوية عادلة.
٣- تقوية الموقف في مواجهة الخصم وإحراز تفوّق عمليّاتي ضده.
وهنا يكون السؤال الأوّل، هل حقق الحادث أيّا من الأهداف الثلاث؟ الإجابة المنطقية (لا).

بل أبعدُ من ذلك؛ فقد خدم وسيخدم ما جرى سردية المظلومية الزائفة التي تسوّقها حكومة الاحتلال، محلّيا لدى قواعدها الانتخابية وحتى لإسكات خصومها السياسيين، وكذلك الأمر أمام المجتمع الدولي في الوقت الذي أصبحت فيه على شفى حفرة من العزلة والازدراء الكامل،كما أنه منحها المبرّر لاستحداث الفرقة العسكرية الجديدة "جلعاد" والتي انشأتها بذريعة حاجتها لتأمين الحدود مع المملكة، اي أن الحادث جاء في توقيت ذهبيّ بالنسبة لها.

وقد قرأت الكثير جدا من التعليقات التي قلّلت من تأثير الحادث على إيصال المساعدات بعد أن قررت حكومة الاحتلال وقفها، حيث اعتبر كثيرون من أبناء شعبنا بأن حكومة الاحتلال تمنع ايصالها أساساً وهذا غير دقيق بل إنّنا قد شاهدنا على مختلف الشاشات والتطبيقات استمرار وصول المساعدات البريّة لأهالي القطاع المنكوب، وإن كانت دون الطموح بسبب التضييق، كما أن الإنزالات الجوية أكبر كلفة وحاجة للتجهيزات مقارنة بالبرّية ولا تكفي وحدها.

ومن أبرز الآثار السلبية للحادث موقفنا في المحافل الدولية العاكف على تعرية الاحتلال وحشد الدعم الدولي لعزله ونبذه والاعتراف بالدولة الفلسطينية، فالنبرة الحادة الحازمة التي يستخدمها الأردنّ على مختلف المستويات الدبلوماسية قد تُخدَش، أي أنّه وبخصوص هذا الملف وفي مواجهة حكومة الاحتلال قد تحوّل مثل تلك الحادثة الأردنّ من مُتَّهِم إلى مُتَّهَم، لا سيما وأنها الحادثة الثانية التي تمّت بذات الطريقة، وربما يتعرض السائقون الأردنيون لاحقا لاجراءات أمنية على المعابر تستدعي تدخل الدولة في أي لحظة - في حال عودة المساعدات البرية-، في وقت حرجٍ نمارس فيه أقصى درجات الضغط الدولي، تماما كما جرى نتيجة حادثة التهريب التي ارتكبها النائب السابق عماد العدوان سابقا والتي خلطت الأوراق وأثّرت على ضغوط المملكة الدبلوماسية والدولية في مواجهة حكومة الاحتلال.

لقد صعّبت الحادثة الأمر على الاردنّ، ففي كلّ ثانية تمُرّ، تسعى حكومة الاحتلال لأن تستمر أيّ حدث، بالضبط كما فعلت منذ هجوم السابع من أكتوبر الذي جعلت منه ذريعة للتقتيل والتدمير والتهجير والتوسّع، ولا يخفى على أيٍّ منّا أنها سعت مراراً وتكراراً لإضعاف التحرّك الأردني وما زالت تبثّ روايتها الاستفزازية عبر أذرعها الإعلاميّة في محاولة لجرّ الأردنّ إلى المساحة التي تريد، وإضعاف جبهته الداخلية، لإشغاله وثنيه عن مواصلة نشاطه العالميّ في مواجهتها، وشلّ حركته الإغاثية نحو الداخل الفلسطينيّ بشقّيه في الضفة الغربية وقطاع غزة.

الاعصاب مشدودة، والظروف دقيقة ولا توحي بانفراج قريب، مما يجعل السؤال الثاني: من المستفيد مما حدث حاليّاً ومستقبلا؟
الجواب: حكومة الاحتلال وسرديّتها الكاذبة.

علينا أن ندرك جدية المصاعب والمخاوف والأخطار، وطالما أن أيّ حدث وإن كان فرديّا فهو جماعيٌّ التأثير، علينا أن نتحرّك كوحدة واحدة، دولة واحدة، جهد واحد متكاملٌ موحَّد ومتناغم حتى زوال الغمّة.

إنّ درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح، أو ما يُعتقد بأنّه يجلب المصالح، وفي حقيقته يُضاعف المصاعب في الوقت الذي نسعى فيه إلى درء المفاسد بيد، وجلب المصالح باليد الأُخرى.

الحكمة ليست ضعفاً، بل هي قوّة بما فيها من صبرٍ وثباتٍ ومثابرة، فنحن في معركة عضّ أصابع، من يتحرّك فيها بذكاءٍ فهو المنتصر.


 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية