غضيه يكتب: من الجامعة إلى المصنع: كيف نُعد المهندس لسوق العمل؟

{title}
أخبار الأردن -

عبدالسلام غضيه/ ماجستير هندسة ميكانيكية

 منذ سنوات ونحن نسمع من أصحاب الاختصاص وهم يصفون الفجوة بين الجانب النظري الذي يتعلمه طلبة الهندسة في القاعات الجامعية وبين ما يتطلبه سوق العمل، بأنها أصبحت فجوة ككرة الثلج المتدحرجة والتي تكبر مع مرور الزمن ويلاحظها الجميع من أكاديميين وأرباب عمل، حيث أننا نرى حديثي التخرج من كليات الهندسة وهم يفتقرون معظمهم لأهم المهارات العلمية والعملية في تخصصاتهم، حيث يلاحظ أصحاب العمل وأقسام الموارد البشرية في المكاتب والشركات الضعف عند أغلبية الخريجين في بعض أساسيات بيئة العمل كالالتزام بالوقت وكتابة رسائل البريد الالكتروني (الإيميل) وغيرها من الأدوات التي يحتاجها لممارسة المهنة على أرض الواقع.
والمشكلة لا تقتصر على الطلبة فحسب، بل على المنظومة التعليمية ككل، فمعظم المناهج الهندسية تقليدية ولا تزال تعتمد على الجانب النظري بشكل مفرط بعكس الاهتمام بالجانب العملي -إلا قلة من الأكاديميين الذين يرجحون الجانب العملي على النظري-، كما تكمن المشكلة أيضاً في ضعف الأدوات التعليمية الحديثة من مختبرات وبرمجيات هندسية متخصصة بالإضافة إلى ضعف برنامج التدريب الميداني -وهو شرط في نهاية المرحلة الدراسية للطالب- حيث يصل إلى 8 أسابيع فقط وهي مدة غير كافية لتكون خلاصة مسيرة تعليمية للطالب قد تصل نحو أربعة أو خمسة أعوام، إذ يوجد ضعف في متابعة مخرجات التدريب الميداني وعدم أخذه بجدية لدى أغلبية الطلبة في كافة أقسام كليات الهندسة.

ويقدر بعض الأكاديميين من مشرفي برامج التدريب الميداني وعمداء كليات الهندسة أن هذا البرنامج لا يحقق المرجو منه من رفع كفاءة الخريج وتهيئته للإندماج في سوق العمل بعد التخرج وربط الأكاديميا بالصناعة، حيث يقدر البعض أن التدريب الميداني يجب أن يصل إلى عام دراسي كامل وربما أكثر على أن يكون بعد إنهاء كافة المتطلبات الجامعية المتعلقة في تخصص الطالب ومن ثم الانتقال للتعايش مع بيئة عمل متكاملة كمتدرب ينطبق عليه جزء كبير من النظام الداخلي للجهة المدربة.

فالصناعة اليوم لا تبحث فقط عن شخص يُجيد حل المسألات الرياضية الهندسية والفيزيائية على الورق، بل عن مهندس قادر على فهم المتطلبات الواقعية للمشاريع التي سيعمل عليها، والعمل ضمن فريق عمل مقيد بزمن وموارد بالإضافة إلى المهارات التقنية من برامج هندسية متخصصة في مجالات التصميم والتحليل الهندسي وتحليل البيانات وأدوات الذكاء الاصطناعي التي تساهم في تطوير العمل الذي يمارسه ضمن اختصاصه، وهذا النوع من المهندسين لا يتكوّن داخل المحاضرات فقط، بل من خلال التعرّض لمواقف وتجارب حقيقية.

فالربط بين الجامعات ومخرجاتها وسوق العمل هو ضرورة ملحة اليوم وليس رفاهية، وهذه الفجوة لا تُسدّ إلا من خلال:

شراكات حقيقية مع القطاع الصناعي: من خلال توفير فرص تدريب طويلة، وتنظيم مشاريع مشتركة، واستضافة محاضرين من الميدان الصناعي.
تحديث المناهج والأدوات: على الكليات أن تدمج الأدوات الحديثة في تعليمها، وتمنح الطلبة مساحة للتجريب والابتكار خارج حدود الكتب.
تشجيع الطلبة على التعلّم الذاتي: الطالب اليوم يملك الوصول إلى مصادر لا محدودة من المعرفة: كورسات، منصات، أدوات بحث عبر الذكاء الاصطناعي.
إنشاء حاضنات مشاريع داخل الجامعات: تدعم أفكار الطلبة وتربطهم بمستثمرين أو شركات حقيقية.
وعلى الطالب دورٌ كبيرٌ لا أن يكون متلقٍ فقط، بل جزء من الحل، فإن أردت أن تكون مهندسًا حقيقياً، فعليك البحث عن فرص تدريب حقيقية وأن تشارك في الأنشطة اللامنهجية من مسابقات ومؤتمرات وورشات عمل وأن تشكل علاقات مع أصحاب اختصاص من الأكاديميين المحيطين بك داخل القسم الأكاديمي ومن المهندسين المتخصصين حسب اهتماماتك ورغباتك وتخصصك الهندسي.

وفي الختام، الخريج الناجح ليس من يعرف كيف يجيب على الأسئلة في الامتحان، بل من يمتلك مهارات حل المشكلات والتفكير الإبداعي وأن يكون عنصراً ذا أثر في فريق العمل. وعلى الجامعات والجهات الأكاديمية أن تعزز وتعيد بناء جسور التعاون مع الجهات الصناعية التي تعود بالفائدة على المهندس الخريج وعلى الاقتصاد الوطني للدولة بما يعزز مفهوم المواطنة والشراكة الحقيقية في نهضة الفرد والوطن.


عبدالسلام غضيه/ ماجستير هندسة ميكانيكية

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية