الإنتاجية والذكاء الاصطناعي: ركيزة الصمود والنمو الاقتصادي في الأردن د. حمد الكساسبة

{title}
أخبار الأردن -

  د. حمد الكساسبة
 

تُعدّ الإنتاجية حجر الأساس لأي اقتصاد يسعى إلى تحقيق النمو والاستدامة، فهي المعيار الحقيقي لمدى قدرة عناصر الإنتاج على توليد قيمة مضافة. وفي الحالة الأردنية، ما زالت مستويات الإنتاجية متدنية مقارنة بدول ذات ظروف اقتصادية واجتماعية مشابهة، الأمر الذي يضعف تنافسية الاقتصاد الوطني ويبطئ قدرته على خلق فرص عمل جديدة.

يرجع جزء كبير من هذه التحديات إلى محدودية الاستثمار في رأس المال البشري. فالأنظمة التعليمية تميل إلى الطابع النظري أكثر من العملي، بينما يزداد الطلب على المهارات الرقمية والتكنولوجية. وفي الوقت نفسه، تعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة – التي تمثل أكثر من 90% من الاقتصاد – من صعوبات في الوصول إلى التمويل، حيث لا تتجاوز حصتها من إجمالي الائتمان المقدم من البنوك 11% فقط. وهذا يضعف قدرتها على التوسع وتبني التكنولوجيا الحديثة.

وتشير التقديرات إلى أن معدل نمو إنتاجية العمل في الأردن لا يتجاوز 1–1.2% سنوياً، بينما تحقق اقتصادات ناشئة شبيهة نسباً تتراوح بين 3–4% سنوياً. هذا الفارق يعكس الحاجة الماسة إلى إصلاحات جذرية في التعليم وسوق العمل والتمويل، لضمان رفع كفاءة توظيف الموارد البشرية ورأس المال.

وتضاف إلى ذلك عقبات البيروقراطية وتعقيد الإجراءات الإدارية، حيث ما تزال بيئة الأعمال تفتقر إلى الحوافز الضريبية التي تشجع على الابتكار وتدعم المشاريع الإنتاجية والريادية. كما أن إصلاح القطاع العام وتمكين القطاع الخاص ما يزالان دون المستوى المطلوب، الأمر الذي يعيق التكامل بينهما ويضعف مساهمتهما في رفع الإنتاجية.

غير أن الفرص ما تزال قائمة. فالتحول الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) تفتح آفاقاً واسعة لزيادة الكفاءة وخفض التكاليف. في الزراعة، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين إدارة المياه والري ومراقبة المحاصيل. وفي الصحة، تسهم التقنيات الرقمية في التشخيص المبكر وتحسين خدمات الرعاية. أما في السياحة، فإن المنصات الذكية تعزز التسويق وتجربة الزوار. وفي النقل، تساعد أنظمة إدارة المرور الذكية على تقليل الازدحام. وحتى في الخدمات الحكومية، يمكن لأدوات الأتمتة أن تقلل من الوقت والتكاليف وتعزز ثقة المواطنين.

وتدرك رؤية التحديث الاقتصادي 2033 هذه التحديات والفرص معاً، حيث وضعت الإنتاجية في صلب أولوياتها وربطتها بالإصلاح التعليمي والتحول الرقمي وجذب الاستثمار. غير أن المشكلة لا تكمن في وضوح الرؤية، بل في بطء الانتقال إلى التنفيذ. فمنذ إطلاقها عام 2022، استغرقت الحكومة قرابة ثلاث سنوات في إعداد البرنامج التنفيذي، وهو وقت طويل نسبياً إذا ما قورن بحجم التحديات. هذا البطء أضعف القدرة على تحفيز الإنتاجية في وقت مبكر، وأعطى انطباعًا لدى المواطنين أن الحكومة تتحرك أبطأ مما تتطلبه الظروف.

صحيح أن إعداد التشريعات والأطر المؤسسية كان ضرورياً، إلا أن طول فترة التشخيص والإعداد أضاع فرصة تسريع الإنجاز. وفي حين أن التجارب الدولية تظهر أن إعداد البرامج التنفيذية يستغرق عادة بين 6 و12 شهراً فقط، وجد الأردن نفسه يدخل مرحلة التنفيذ متأخراً، الأمر الذي انعكس على بطء تحفيز الإنتاجية، وبالتالي أضعف القدرة على بلوغ أهداف النمو الاقتصادي وتخفيض البطالة وفق ما حددته الرؤية.

لكن يبقى السؤال: كيف يمكن تعويض هذا التأخير؟ الواقع أن استعادة الزخم ممكن من خلال تسريع وتيرة التنفيذ، وتركيز الجهود على مشاريع ذات أثر مباشر في رفع الإنتاجية مثل إصلاح التعليم والتدريب المهني، دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتوسيع التحول الرقمي في القطاعات الأكثر إنتاجية. كما أن تبني مؤشرات أداء واضحة وجداول زمنية مضغوطة، مع شفافية أكبر في المتابعة والتقييم، سيعزز ثقة المواطنين ويعوض جزءاً من الوقت المهدور.

ولا يقتصر دور الإنتاجية على دعم النمو الاقتصادي فحسب، بل يشكل أيضاً خط الدفاع الأول في تعزيز الصمود الوطني. ففي ظل التهديدات الإسرائيلية الهادفة إلى فرض التهجير على الشعب الفلسطيني، وما قد يترتب عليها من ضغوط سكانية وأمنية واقتصادية على الأردن، تصبح القدرة على رفع كفاءة الاقتصاد وإحكام الجبهة الداخلية ضرورة وجودية، توازي في أهميتها الأبعاد السياسية والأمنية.

وفي النهاية، فإن تحسين الإنتاجية في الأردن ليس خياراً إضافياً، بل ضرورة وطنية لتحقيق النمو وخفض البطالة وتعزيز القدرة التنافسية. وإذا أرادت الحكومات أن تحافظ على ثقة المجتمع، فإن الانتقال السريع إلى التنفيذ وربط كل خطوة بجدول زمني ونتائج ملموسة لم يعد مجرد ترف إداري، بل هو شرط أساسي لإنجاح رؤية التحديث الاقتصادي وجعلها واقعاً ملموساً في حياة الناس.

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية