المجالي يكتب: بلا ولا شي بحبك

{title}
أخبار الأردن -

عبدالهادي راجي المجالي

.... بلا ولاشي ..بحبك ، تلك أغنية زياد الرحباني التي كتبها لزوجته (كارمن لبس) ...وغناها ، صارت فيما بعد قصة وليس أغنية .
بلاولاشي بحبك 
ولافي بهالحب مصاري
ولاممكن فيه ليرات
ولاممكن فيه أراضي
ولافي مجوهرات
تعي نئعد بالفي 
مش لحدا هالفي
حبيني وفكري شوي .
بلاولاشي بحبك .

...أنبل أنواع الحب ، حين ترى في وجه الحبيبة البلد ، حين ترى مسقط رأسك ، وصوت أمك ، حنفية الماء على باب الدار ، ذكريات الصبا ، حنين الجدة ، سطح منزلكم الذي اختاره الحمام مهبطا ، دالية العنب ، صوت ينادي على محمود ..ولا تعرف من هو محمود ومن المنادي ..لكن منذ( 45 ) عاما مازال يعشش في رأسي .
هل شاهد زياد كل ذلك في وجه كارمن ؟ ..
أنا لا أعرف حقيقة ماذا شاهد ، ولكن ما أعرفه أنه أحبها ...لبنان كل يوم يصفع العالم العربي صفعة جديدة ، حتى الموت فيه له طعم خاص ، يشتهيه العرب ،  والحب فيه معركة وليس قصة .

اصفعنا مرة أخرى أيها الوطن الحاني الصغير ، لقد ودعت رجلا كان بحجم بيروت بكل صخبها ووجعها ، بكل تناقضاتها وجموحها ...الكل أمام نعش زياد كان صغيرا إلا زياد كان هو الكبير وحده حتى في الموت ...وفيروز جلست في الزاوية ، وقد مر عليها رجالات لبنان كلهم ، وانحنوا أمام الثوب الأسود واللحن ، انحنوا أمام أنفها الذي ظل مرفوعا ، هو الأنف الوحيد الذي يأتيه الهواء لكي يتطهر بملامسته ، أنف فيروز كان كذلك في الجنازة ، أنوفنا وحدها يا فيروز من لوثت الهواء  ...إلا أنفك وحده من عمد الهواء العربي .

اصفع العالم العربي مرة أخرى يا لبنان ، علمهم أن الإبداع ليس سلعة تباع وتشترى في أروقة وزارات الثقافة ، علمهم يا لبنان أن المباديء : لا تقاس بحسب مصالح الحكومات ، وأن الأغنية لاتنطلق إن لم تجد ممولا ...علم عالمنا العربي ، أن لافارق بين البندقية والبزق ، لأن زياد حول البزق في لحظة ، إلى حالة تتسيد الأوركسترا ..أصلا ماذا يصدر لبنان للعالم ؟ أنا لا أعرف من صادراته شيئا ..لكني متأكد أنه لايصدر المرسيدس ، ولايصدر مكونات الهاتف المحمول ، ولا محركات الدفع للصواريخ ..هو صدر (البزق) ، لقد انهزم كل العرب أمامه في نظرية الإستيراد والتصدير ..هو اعتمد على ميزان الحب  - وهل يوجد في العالم دولة تصدر الحب بحجم ما يصدر لبنان -   ...يكفي أنه صدر وتر (البزق) لنا ، في حين أننا صدرنا له الخذلان .

اصفع عالمنا العربي مرة أخرى يا لبنان ، علمهم معنى أن يكون للمبدع مساحة في دستور الوطن ، زياد لم يكن جسدا مسجى ينتظر التراب مستقرا أخيرا ، كان المادة السادسة في الدستور اللبناني التي نصت على أن زياد هو: اللغة الرسمية للبنان ..وكان أجمل لغة في الأرض ، لو خيرت لجعلت في مناهج اللغة العربية فصلا يسمى زياد ، يتعلم فيه الطلبة كي ينعطف حرف الباء في حديث زياد مع الحب ، وكيف يطارح حرف النون على لسانه الإشتياق ، وكيف تتمرد اللغة في حديثه وتحطم جدران القلب .

أصفعنا يا لبنان مرة أخرى ، أخبرنا كيف يكون المبدع في بيروت أعلى قامة من الوزير ، أكبر من الطائفة ..ولايهزم إن قصفوه ، لايتراجع إن أقاموا عليه ألف حصار ، علمنا كيف يكون فوق السفارات كلها ، فوق المفاوضات والوسطاء ..علمنا كيف يكون المبدع ، ضميرا للأمة ...وبحرا يغازل بيروت في صباحات تشرين ، فتبدو المباني فيها كأنها الزغب الذي انتصب على جيد صبية بفعل لسعة الريح .

اصفع عالمنا العربي يا لبنان مرة أخرى ، أترى هل أفقنا من صفعاتك ؟ أيها الحاني ، أيها الوسيم والجميل ، أيها السكر في قهوتنا ، والدفء في السرير ، والنخلة الشامخة على باب الدار ، والمقلة ...أنت لست وطنا ، أنت نجما من حواف الجنة هوى إلى الأرض كي يعلم البشرية ، معنى الحب ومعنى السلام ...لا تكفروني أرجوكم ، إن أفصحت لكم باعتقاد حملته في ذهني ألف عام  وهو : أن مريم المجدلية أثناء حملها في السيد المسيح  مرت يوما من شاطيء بيروت وباركت الشاطيء والمدينة .

اصفعنا يا لبنان ، دع الدوائر الرسمية في عالمنا العربي تتعلم منك معنى المبدع ..دع أروقة المكاتب التي تصدر القرارات تتعلم منك أيضا ، بأن زياد كان قرارا في لبنان ، أكبر من قرارات رئاسة الجمهورية وأكبر من قرارات الحكومة ، دع المكاتب الرسمية الفاخرة تتعلم منك يا لبنان ، بأن الإنتماء للوطن لايكون بمسيرة ولا برفع علم ، ولا بكتابة مقال ...الإنتماء للوطن يكون بأن تنثر جنونك على ترابه بكلمات أغنية كتبت بالدمع والدم ، وأظن أن زياد حين كتب : ( بلا ولاشي) كتبها بالدم والدمع..واللحن كان فيها صوت البحر ، وصوت بيروت ، وصوت كل حر في عالمنا العربي يشتاق لوجه الحبيبة من خلف قضبان المنفى أو المعتقل .

خذني يا لبنان إليك ، أريد (منئوشة) من أفرانك في الصباحات العذية ، (منئوشة) واحدة تكفيني ، وكأس شاي تكفي أيضا ، وعلمني أنا الذي سجن بحروفه وتاهت به الأمنيات ، علمني كيف أكون عربيا ، علمني طريقة تحليق النورس ، علمني صعود الجبل وضرب الوتر ..وعلمني كيف يولد العشق مثل ثورة على حواف المقاهي في (جونيه) ...

بحربك أتعبتنا يا لبنان ، وحين يغادر قادتك تتعبنا أيضا ، حتى الدم حين ينزف فيك أشعر أن الزيتون في عالمنا العربي ينزف أيضا زيتا مع دمك ، كي يواسي ترابك ...بفيروزك تتعبنا ، بموت زياد تتعبنا ...هل أنت وطن ، أم أغلال من الورد واللؤلؤ ..هل أنت أسطورة الشرق ، أم وجعه ؟ ..قل لي من أنت يا لبنان .
وبلا ولاشي بحبك..ومازال صوت محمود يعشش في ذهني منذ (45) عاما .

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية