المغاربة يوضح لـ"أخبار الأردن" خفايا تقرب واشنطن الناعم من دمشق
• الساحة السورية فرصة ذهبية لإعادة بناء المعادلة السورية بأكملها
• الانفتاح الأمريكي على دمشق رأس جبل جليدي يختبئ تحته مشروع خفي
• إدراك إسرائيلي عميق أن ترامب هو الفرصة التاريخية الأخيرة لتصفية المخاوف دفعة واحدة
• النفوذ التركي في الشمال السوري، بالنسبة لتل أبيب، لا يقل خطورة عن النفوذ الإيراني
قال الخبير العسكري محمد المغاربة إن التحركات الأمريكية الأخيرة تجاه النظام السوري تعبّر عن تحولٍ تكتيكي محكوم بحسابات دبلوماسية ناعمة، غير أن القراءة الأكثر تعمقًا للمشهد الإقليمي تكشف أن ما يُسوّق على أنه انفتاح إنساني أو بادرة سياسية هو في جوهره إعادة تموضع استراتيجي بالغ الدقة والخطورة، تنسجم خطوطه الخلفية مع تصوّر أمريكي - إسرائيلي مشترك لإعادة صياغة موازين الإقليم، وإعادة ترتيب أوراق النفوذ والاصطفافات.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تسعى إلى تحييد محور دمشق عن صراعات قادمة محتملة، عبر خطوات تحاول نزع فتيل ردّات الفعل الشعبية المؤيدة للنظام السوري، مضيفًا أن هذه الاستراتيجية، التي يمكن وصفها بـ"الاحتواء بالنعومة"، تحاكي ذات النمط الذي اعتمدته واشنطن في لحظات مفصلية سابقة، كما حدث في العلاقة التكتيكية المؤقتة مع الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
أما إسرائيل، فتقرأ هذه التحولات من زاوية مغايرة لكنها مكملة، فنتنياهو، الذي يتجه إلى واشنطن ليس بوصفه شريكًا في لحظة طارئة، وإنما كعرّاب لمشروع إقليمي طويل الأمد، ينظر إلى الساحة السورية من بوابة الفرصة الذهبية لإعادة بناء المعادلة السورية بأكملها، فهو يسعى إلى إنهاء ما تبقى من ممانعة أيديولوجية في النظام السوري، واستبدالها بتكريسٍ لواقع سياسي جديد، قوامه القبول الضمني بـ"الوجود الإسرائيلي" كجزء من واقع إقليمي ما بعد الصراعات الكبرى.
ونوّه المغاربة أن الأكثر إثارة للقلق في هذا السياق هو أن السيناريو لا يستبعد – بل يرجّح – توظيف "النعومة الأمريكية" لإحداث صدمة داخلية داخل معسكر الشرع نفسه، سواء عبر تغييرات داخلية مفاجئة أو إعادة إنتاج نخب جديدة تدّعي الانتماء لذات المنظومة، ولكن بأدوات مرنة وأكثر تجاوبًا مع شروط واشنطن وتل أبيب، مستطردًا أنه سيتم تغليف هذه الصدمة بمشهد تطبيعي ناعم، يترافق مع تراجع مؤقت في التصعيد العسكري الإسرائيلي، ما يُفضي إلى تبلور صورة ذهنية جديدة لدى الشارع السوري، وهي أن أمريكا لم تعد عدوًا مباشرًا، وتل أبيب قد تكون "واقعية".
ولفت الانتباه إلى أن التخوف الإسرائيلي الحقيقي ينبع من مشهد أكثر تعقيدًا، يظهر استمرار المشروع الأيديولوجي العابر للحدود الذي تمثله تركيا بقيادة أردوغان، خاصة مع تمدده الناعم في الشمال السوري، وبالنسبة لتل أبيب، هذا التمدد لا يقل خطورة عن النفوذ الإيراني، ذلك أنه نسخة أكثر رسوخًا وأطول نَفَسًا، وبالتالي، فإن أي تهدئة في الجبهة الجنوبية (غزة) لا تعني بالنسبة لإسرائيل سوى إعادة توجيه البوصلة نحو خطرٍ استراتيجي أشد وقعًا.
وذكر المغاربة أن كل هذا يحدث في ظل إدراك إسرائيلي عميق أن اللحظة الترامبية قد تكون الفرصة التاريخية الأخيرة لتصفية هذه المخاوف دفعة واحدة، فالإدارة الأمريكية الحالية، بشخصيتها الخارجة عن المألوف، تتيح هامشًا غير مسبوق للمغامرة الإقليمية، وهي لحظة يدرك نتنياهو تمامًا أنها لا تتكرر في كل دورة انتخابية أمريكية.
وبالتالي، فإن ما يُقدّم بوصفه انفتاحًا أمريكيًا على دمشق لا يمثل سوى رأس جبل جليدي يختبئ تحته مشروع إعادة إنتاج مشهد إقليمي بالكامل، يستهدف تفكيك ما تبقى من منظومات الرفض السياسي والممانعة الأيديولوجية، وتهيئة المسرح الإقليمي لتحولات أكثر جذرية.

